يقول صاحب «مناهل العرفان»: «الذي يجب الجزم به أن جبريل نزل بألفاظ القرآن المعجزة من أول «الفاتحة» الى آخر سورة «الناس»، وتلك الالفاظ هي كلام الله وحده، لا دخل لجبريل ولا لمحمد ص في انشائها ولا في ترتيبها، فالألفاظ التي نقرأها ونكتبها هي من عند الله، وليس لجبريل عليه السلام في هذا القرآن سوى حكايته للرسول ص وليس للرسول ص سوى وعيه وحفظه وتبليغه، ثم بيانه وتفسيره ثم تطبيقه وتنفيذه. يقول رب العزة: {وأنزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم...} وتعرب السيدة عائشة رضي الله عنها عن تطبيقه ص للقرآن بقولها: «كان خلقه القرآن». وقد تلقى النبي ص القرآن عن الله بواسطة جبريل عليه السلام بقلبه اذ القلب هو المالك جميع جوارحه به يسمع وبه يعقل وبه يبصر، وقد قال الله عز وجل: {نزل به الروح الأمين على قلبك}. للدلالة على ان ما نزل عليه محفوظ بعناية الله تعالى، وان الرسول ص متمكن من تلقيه واستيعابه حفظا وفهما. والقلب هو المخاطب في الحقيقة لأنه موضع التميز والاختيار وسائر الأعضاء مسخرة له. يدل على ذلك القرآن والحديث والمعقول: أما القرآن فقوله تعالى: {ان في ذلك لذكرى لمن كان له قلب». واما الحديث فقوله ص «ألا وإن في الجسد مضغة اذا صلحت صلح الجسد كله واذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب. وأما المعقول: فان القلب اذا غشي عليه، وقطع سائر الأعضاء لم يحصل له شعور واذا أفاق القلب شعر بجميع ما ينزل بالأعضاء من الآفات. وقد كان الوحي ينزل على النبي ص بكيفيات مختلفة ويلقي اليه القرآن كما أمره ربه عز وجل، فيسمعه الرسول ص بأذني قلبه، والناس من حوله لا يسمعون شيئا. وهذا أمر من الله، وآية من آيات قدرته الباهرة، وسر من اسراره الخفية وبرهان على أن رسوله الكريم طراز فريد، له روح ليست كالأرواح البشرية وله قلب من معدن خاص يسمع به ويرى ما لا يسمعه غيره ويراه.