غريب أمر الدولة التونسية التي بقيت من بين الدول القلائل غير المنخرطة إلى حدّ الآن في الطاقات البديلة لتخفيف عبء فاتورة الطاقات التقليدية خاصة في مجال إنتاج الكهرباء. فكل الظروف الطبيعية والمناخية ملائمة في جميع أنحاء البلاد لإنتاج الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، غير أن تمشي الدولة في هذا المجال ظل ضعيفا ومرتبكا لتضطر الحكومات المتعاقبة في كل مرة للترفيع في أسعار المحروقات وتُكبد المقدرة الشرائية للمواطن عبءا ماليا إضافيا. في تونس يوجد ما لا يقل عن 23 نصا تشريعيا مختلفا ينظم قطاع التحكم في استهلاك الطاقة وحوالي 17 نصا مماثلا ينظم قطاع الطاقات المتجددة. ومنذ سنة 1998 وقع إحداث وكالة وطنية للتحكم في الطاقة كما أحدث منذ سنة 2005 صندوق وطني للتحكم في الطاقة (أصبح منذ سنة 2014 صندوق الانتقال الطاقي). ومنذ سنة 2004 تم إصدار القانون المتعلق بالتحكم في الطاقة، كما تم في 2015 إصدار القانون المتعلق بإنتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة. ورغم هذه الترسانة من المؤسسات والنصوص القانونية، لم تنجح تونس إلى حدّ الآن في تحقيق الانتقال بنسبة كبيرة نحو الطاقات البديلة وظلت ميزانية الدولة تتكبد كل عام نفقات مهولة لتوريد المحروقات ودعمها. كما تكابد الدولة كل عام هاجس ارتفاع أسعار البترول في الأسواق العالمية باعتبار أن كل زيادة بدولار واحد في سعر برميل النفط تكون كلفته على ميزانية الدولة حوالي 129 مليون دينار، وهو ما يفاقم سنويا عجز الميزان الطاقي. رقم مهول يؤكد أن بلادنا، رغم ضعف انتاجها من النفط والغاز، إلا أنها تواصل التعاطي بارتباك وبأياد مرتعشة مع ملف الانتقال نحو الطاقات المتجددة والبديلة التي من شأنها تخفيف عبء الفاتورة الطاقية عن الدولة والمواطن والحد من الانبعاثات الملوثة للبيئة والمحيط. فالحكومات المتعاقبة تكتفي في كل مرة بالترفيع الدوري في أسعار المحروقات وتُحمّل المواطن والمؤسسات أعباء إضافية ساهمت في تعطيل الدورة الاقتصادية وفي ارباك معيشة الناس.. ومنذ سنوات تحوم الشكوك والشبهات حول وجود أطراف و"لوبيات" داخل الدولة تريد إبقاء الحال على ما هو عليه وتعطل كل توجه نحو الطاقات البديلة بعد أن وجدت في المنوال الطاقي الحالي، خاصة في مجال انتاج الكهرباء، مجالا لتحقيق مصالح ومنافع ضيقة على حساب المصلحة الوطنية ودون اكتراث بتداعيات ذلك على المقدرة الشرائية للمواطن. كما وجدت هذه الأطراف سندا وشبه تواطؤ لدى الحكومات المتعاقبة شجعها على التمادي في هذا التمشي.. هذه الحقيقة تؤكد أنه لا خيار اليوم أمام الدولة غير التحلي بالجرأة والشجاعة والإرادة السياسية اللازمة لفرض التوجه في أسرع وقت نحو الطاقات البديلة والاستفادة من الثروات الطبيعية والمناخية المتوفرة في بلادنا على مدار العام. أما مواصلة الاعتماد على السياسة الطاقية الحالية فإنه لن يؤدي مع تقدم السنوات سوى لمزيد "إغراق" ميزانية الدولة بالأعباء الإضافية لتوريد النفط ودعمه وبالقروض التي تُخصّص لدعم المؤسسات العمومية الناشطة في القطاع أبرزها شركة الكهرباء والغاز وشركة تكرير النفط.. فاضل الطياشي