اثارت استقالة كبير قائدي الأوركسترا في مسرح البولشوي الروسي المعروف، توغان سوخيف ، مؤخرا صدمة كبيرة في الوسط الثقافي الغربي والعالمي ، وخصوصا بعد البيان شديد اللهجة الذي اصدره الفنان بخصوص الاستقالة حيث كشف انه تعرض لضغوط لإدانة الهجوم الروسي على أوكرانيا. وبعد اعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم 24 فيفري الماضي البدء ب"عملية عسكرية" على الأراضي الأوكرانية، انهالت العقوبات على روسيا لتطال الوسط الثقافي والفني والرياضي. وقال الموسيقي الروسي في بيانه "اليوم وجدت نفسي مضطرًا لاتخاذ خيار واختيار واحدة من عائلتي الموسيقية على الأخرى. ويُطلب مني اختيار تقليد ثقافي على الآخر". واضاف "قررت الاستقالة من منصبي كمدير موسيقى لمسرح بولشوي في موسكو وأوركسترا ناشيونال دو كابيتول دي تولوز بشكل فوري"... إنّ أوّل ما يخطر على بال الكثيرين عند الحديث عن الحرب الروسية الاوكرانية الدائرة حاليا في أوروبا ، هو الجوانب الاقتصادية والسياسية والأمنية والعسكرية ، في حين ان هناك جوانب اخرى خفية قل ما يجري تناولها او مناقشتها رغم انها تمثل احد الاسباب الرئيسية في النزاع. وهذه الجوانب هي ثقافية وعرقية وايديولوجية بالاساس ، والا لماذا يركز الرئيس الروسي في تصريحاته دوما على سعي الغرب الى أكرنة الغرب الروسي ومحاولة طمس الثقافة الروسية واضطهاد السلاف الروسيين في الدونباس من قبل النازيين الجدد في اوكرانيا ، وهو ما يحاول الغرب تجاهله والتستر عليه حتى لا يوصف بالعنصرية والتمييز وممارسة ثقافة الالغاء. ورغم حرص الغرب على اخفاء هذه النزعة التمييزية وممارسة ثقافة الالغاء في التعامل مع الشعوب والثقافات الاخرى غير الغربية ، فقد كشفت الحرب الروسية الاوكرانية انه مستعد حتى الى الغاء الثقافة الغربية التي لا توافق اراءه وتصوراته والتمييز بين الشعوب الغربية ذاتها اي بين السلاف الشرقيين (روسياواوكرانيابيلاروسيا...) والسلاف الغربيين (بولونيا وتشيكيا وسلوفاكيا...). وقبل بدء العملية العسكرية الروسية في اوكرانيا عمد الغرب في اطار تقليص حضور الثقافة الروسية بالمنطقة الى فصل الكنيسة الارثوذكسية في اوكرانيا عن الكنيسة الارثوذكسية الام في موسكو في محاولة لأكرنة الغرب الروسي بأكمله ، ثم انهالت العقوبات على روسيا بعد ذلك لتطال الوسط الثقافي والفني والرياضي مباشرة . فقد أعلنت لندن إلغاء عروض فرقة البولشوي الروسية الشهيرة المقررة في الصائفة القادمة ، وقام عمدة ميونخ في المانيا بطرد القائد الروسي لأوركسترا المدينة بسبب عدم ادانته لبلاده. ولعل من أغرب العقوبات الثقافية على روسيا كانت الطريقة التي ابتكرها مطعم كندي للتنديد بهجوم روسيا على أوكرانيا، حيث قام بالغاء وجبة شهيرة يطلق عليها اسم بوتين (Poutine)، من قائمة طعامه. وفي واقعة غريبة أخرى سعت جامعة إيطالية الى إزالة روايات الكاتب الروسي الشهير ديستويفسكي من منهاجها الدراسي ، فيما قرر متحف غريفن الفرنسي إزالة تمثال شمعي للرئيس الروسي. وخلال الأيام الاخيرة توسع الحصار على روسيا ليطال المجال السينمائي وذلك بعد قرار ثلاث استوديوهات (سوني وديزني ووارنر براذرز) وقف عرض الأفلام الجديدة في روسيا مؤقتاً ... كما لم يتمكن عملاء نتفلكس في روسيا من دفع اشتراكاتهم ببطاقات الائتمان الصادرة عن بعض البنوك المحلية. ويحرص الاعلام الغربي منذ بدء العملية العسكرية الروسية في اوكرانيا على ضرب كل ما هو روسي من اعلام وثقافة ورياضة وذلك بالتحريض ضد الفنانين والرياضيين الروس داعين بشكل مباشر او غير مباشر الى رفض الثقافة الروسية وإلغائها وهو ما يشكل خطرا على كل الثقافات في العالم. فقد بين الغرب من خلال هذه الحرب الثقافية على روسيا انه لا يعترف الا بالثقافة الغربية وهو ما اشار إليه الموسيقار الروسي توغان سوخيف حين قال انهم " يطلبون مني اختيار تقليد ثقافي على آخر " . محسن عبد الرحمان