"دعهم يتجمّدون حتى يتعقّلون"، ربما هذا هو لسان حال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وهو يأمر بقطع إمدادات الغاز عن أوروبا عبر خط "نورد ستريم 1" ، آخر شريان حياة طاقي للاتحاد وهو على أبواب فصل الشتاء الذي لن يكون كسابقيه أبدا. من الواضح أن بوتين اتخذ هذا القرار لسببين رئيسيين ولهدف واحد، أما السببان فهما أولا كردّ على وضع مجموعة السبع سقفا لأسعار النفط الروسي في طريقة عقابية تحدّ من مداخيل روسيا التي تموّل بها آلتها الحربية في أوكرانيا. أما السبب الثاني فيتعلّق بالأوروبيين خاصة، يريد بوتين من القادة الأوروبيين أن يعيدوا التفكير مرّتين عندما ينظرون الى دعمهم الى أوكرانيا في وجه روسيا عبر تمويلات ضخمة وداعية اعلامية كبيرة والأهم من كل ذلك العتاد العسكري. فبوتين ينظر الى الأمر برمّته على أنّه عدوان اوروبي مباشر على بلده ولذلك يريد تلقين القادة الاوروبيين درسا قيّما في ادارة الحروب وهو أنّه لا تهاجم إذا كان لديك ما تخسره، وأي خسارة هي أن تجد الشعوب الاوروبية نفسها وجها لوجه مع فصل الشتاء دون غاز للتدفئة. وربما هدف بوتين من كلّ ذلك هو أن يبعث برسالة مضمونة الوصول الى الاوروبيين بأنه حان الوقت لكي تنقذوا أنفسكم و أن تتخلّوا عن لعب دور درع أمريكا في مواجهة خصومها وهو ما يحدث حرفيّا في أوكرانيا. يبدو بوتين قد نجح في ذلك مع تعالي الأصوات الأوروبية الرافضة لمواقف بلدانهم في اوكرانيا، وبات ارتفاع كلفة الوقوف الأوروبي بجانب كييف دافعا لحدوث تحولات في أوساط الرأي العام حيال مواقف الحكومات الأوروبية. ففي براغ عاصمة التشيك مثلا فاق عدد المشاركين في التظاهرات الرافضة للعداء مع روسيا 70 ألف مشارك، كما اندلعت مظاهرات واحتجاجات شعبية في مدن بألمانيا كمدينة كاسل منددة بتورط برلين في تسليح كييف. ببساطة أصبحت نظرة المواطن الأوروبي ، الذي يعاني من أزمة اقتصادية حادة، الى الأزمة الأوكرانية كالتالي: الحرب ليست حربنا فلماذا ندفع ثمنها؟ قد لا يصغي الاوروبيون الى شعوبهم ولكن الثمن سيكون باهظا جدا. الآن أمام الاوروبيين خيارات محدودة بل وتكاد تكون معدومة لسدّ فراغ الغاز الروسي، فإما ثني أوكرانيا على التعنّت والقبول بشروط سلام روسية وهو أمر صعب لعدم امتلاك كييف لقرارها وإنما الأمر بيد واشنطن صاحبة الحرب الحقيقية.أو مواصلة التعنّت وقيادة حرب عبثية هم الخاسر الأكبر فيها حيث يكفي النّظر الى السقوط التاريخي لعملة اليورو مقابل الدولار الأمريكي والروبل الروسي، هذا دون الاشارة الى الوضع الاقتصادي الحرج. لا يبدو أن الأوروبيين قد أخذوا العبرة من التاريخ، وتناسوا لوهلة مدفوعين بخديعة أمريكية كبرى اسمها العقوبات على روسيا بوتين لتركيعها، أنّ نابليون ومن بعده هتلر فشلوا في تركيع روسيا ،في فصل الشتاء تحديدا. بدرالدّين السّيّاري