وإن كانت منظومة حقوق الإنسان مكسبا كونيا يحفظ حقوق البشر و كرامتهم، إلا أن الوقائع المادية في هذا العالم الذي أصبح مضطربا بشكل ينبأ بالخطورة أثبتت أن هذه المنظومة الحقوقية ليست إلا فكرة ترتقي لعالم الميتافيزيقيا الذي يصعب تكريسه على أرض الواقع في ظل عوائق الأنظمة السياسية الهشة التي يشهدها العالم خاصة في الآونة الأخيرة، كما هو الحال في إيران اليوم عودة على عملية إعدام حياة الشابة مهسى أميني على أيادي ما يسمى بشرطة الأخلاق في إيران و التي أثارت موجة من الغضب الشعبي لما تعرضت له الضحية من انتهاك لحقها في الحياة، وهذا النوع من الإعدام لا يصنف في خانة العقوبة وإنما في مفهومه الحقيقي ألا وهو إزهاق الروح البشرية بشكل لا رجعة فيه مما يعبر عن شكل رهيب إن لم يكن إرهابيا من أشكال استهداف حقوق الأفراد وقمع أصواتهم واستنزاف حرياتهم وإن كانت على مستوى الخطاب والتعبير عن معارضتهم للطرق الإستبدادية في التعامل مع الشأن الإجتماعي و السلوكي للأفراد في إيران، و ما يليها من الاعتداءات الماسة بأمن الشعب الإيراني من اعتقالات مشددة و أعمال العنف والتعذيب في صفوف المحتجين التي انتهت بأحكام إعدام غير شرعية وغير مبررة في حق عدد من المعتقلين، والوصول حد تنفيذ عملية إعدام الشاب المتظاهر محسن شكاري الذي تم اعتقاله في الإحتجاجات الأخيرة التي هزت العالم بأسره لما فيها من مساس صارخ بالحرمة الإنسانية، وهي واقعة أقل ما يقال عنها بالجريمة ضد الإنسانية، استنادا للفكر التشريعي في إيران وفي العديد من السياسات التشريعية الأخرى التي تعتبر الإحتجاج أو التظاهر لغاية معارضة النظام أو الدفاع عن مطالب تكريس الحقوق والحريات وغير ذلك من وسائل الضغط التي يلجأ إليها الأفراد للإقرار بمطالبهم أو الدفاع عن أفكارهم يعد من قبيل تهديد أمن البلاد أو إثارة الشغب في الدولة أو الإخلال بالنظام العام الذي يستوجب أشد العقوبات، و هنا لا بد من التوضيح أن الإشكال في هذا النوع من ردود الفعل الزجرية للدولة في إطار التظاهر أو الإحتجاج دائما ما يوصف لدى الهياكل الساهرة على تنفيذ القانون بأعمال الشغب أو محاولات الإنقلاب أو تهديد أمن البلاد بما يبرر لهم تكييف هذه الممارسات بالجرائم الماسة بأمن الدولة وسلامة مواطنيها، وهو ما يندرج في صنف الجرائم السياسية التي غاب عنها المفهوم الحقيقي والمطلق في كل التشريعات حتى يتسنى تكييف الوقائع على أساسه بما يستوجب العقوبة المستحقة، وفي ذلك إشكالا عميقا وحرجا جدا خاصة إذا انجر عن مثل أعمال الإحتجاج والتظاهر ردود فعل جنائية تصل إلى إزهاق الروح الإنسانية. وتجدر الإشارة إلى أن ما حدث في إيران لا يترجم بالعقوبة الشرعية أو المشروعة وإنما هو اعتداء صارخ للحق في الحياة، لأن الإعدام باعتباره أقصى عقوبة لا تقتضيه إلا بعض الجرائم الخطيرة التي تشكل هي في حد ذاتها تهديدا لحقوق الأفراد في سلمهم وأمنهم وأمانهم، حيث يصبح الإعدام العقوبة الوحيدة التي تحفظ أمن المواطنين في ظل الحديث عن هذا النوع الخطير من الجرائم فيكون للدولة الحق المطلق في العقاب لغاية الردع وزجر الإعتداءات الصارخة التي تهتك بعرض الأفراد و سلامة أجسادهم وأنفسهم، ولكن ما يحدث في ايران أصبح يعبر عن قضية تحقيق العدالة البشرية بين الإعدام والحق في الحياة، والأعمق من ذلك أن السياسة الجزائية الإيرانية في التعامل مع قمع الحريات و إسكات مطالب التحرر من أشكال التعذيب و منهج القوة والتسلط في فرض الحكم والنظام لا يمكنه إلا أن يضعف الدولة مهما كانت القوة في منهجها، وكذلك الصراع بين إعدام صوت الحق للدفاع عن الحياة لا يمكنه إطلاقا أن يشرع القول أن الإعدام عقوبة يستوجبها الإحتجاج أو التظاهر من أجل قضية ما أو سلوك ما أو غيره من الظواهر و الوقائع مثلما كانت فاجعة العالم حول واقعة إعدام الشاب المتظاهر في إيران والتي تحسب أكثر بكثير من كونها جريمة ضد الإنسانية. مؤسف جدا أن يحدث ما يحدث في إيران لما فيه من دلالات على خطورة الوضع الإنساني في ظل مواصلة أصحاب تنفيذ القوانين والقرارات في هذه السياسة الردعية الإرهابية نوعا ما والتي بإمكانها أن تزيد من الغضب الجماهيري في إيران، وإن قتلت مهسى أميني ففي كل امرأة إيرانية ستستيقظ مهسى مرة أخرى للدفاع عن حقوقهن و الضحية محسن شكاري الذي اهتز العالم لمصرعه، فمثل هذه الأعمال لا دلالة لها غير منطق القوة والعنف والترهيب و في الأصل قوة المنطق هي الأقوى وهو ما يجعل الإحتجاجات في إيران متواصلة بشكل أقوى بين قوة الدولة في إعدام أصوات المحتجين و تمسك الشارع الإيراني بالدفاع عن الحق في الحياة وهو عنوان المستجدات في إيران.