تؤكد أغلب الأرقام والمؤشرات الاقتصادية أن تونس تحوّلت إلى بلد مُفرط في التبعية الاقتصادية والمالية تجاه الخارج.. فعجز الميزان التجاري للسلع بلغ اكثر من 23 مليار دينار إلى حدود نوفمبر الماضي وذلك بسبب عدم قدرة الصادرات على تغطية الواردات.. والعجز التجاري لقطاع الطاقة وحده فاق 9 مليار دينار أي ما يمثل 39,5 % من العجز الجملي وذلك بسبب الإفراط في استيراد المواد الطاقية من الخارج مقابل صادرات ضعيفة، شأنه شأن العجز في الميزان التجاري الغذائي الذي يكاد يبلغ 3 مليار دينار بسبب نزيف استيراد الحبوب والأعلاف والزيوت والسكر من الخارج. وتكشف الأرقام أن التبعية التجارية لتونس قائمة بشكل كبير مع الصين بعجز تجاري في حدود 8 مليار دينار ومع تركيا ب3.7 مليار دينار والجزائر ب3.2 مليار دينار إضافة إلى روسيا وإيطاليا واسبانيا.. وعلى الصعيد المالي، تفاقم حجم الديون الخارجية للدولة بشكل كبير ليبلغ خلال الأشهر التسعة الأولى من 2022 أكثر من 66 مليار دينار مع توقعات بارتفاعه موفى العام الجاري وأيضا خلال العام المقبل. وهو ما جعل الدولة تجد صعوبات كبرى في الحصول على تمويلات جديدة في ظل تحذيرات ما انفكت تطلقها وكالات التصنيف السيادي من عدم قدرة تونس على خلاص ديونها. وكان من الطبيعي ان يؤدي ذلك إلى مواصلة صندوق النقد الدولي مماطلة بلادنا قبل تمكينها من قرض جديد في انتظار مزيد التدقيق في الوضعية المالية للبلاد على ضوء قانون المالية 2023.. فيما تواصل الدولة مساعي أخرى موازية للحصول على تمويلات من دول صديقة ومؤسسات مالية، لكنها ظلت هي الأخرى تماطل إلى حدّ الآن. وما يؤكد ارتفاع حجم التبعية الاقتصادية والارتهان المالي لتونس تجاه الخارج هو ضعف قيمة احتياطي البلاد من العملة الصعبة والذي ظل منذ مدة في حدود 21 مليار دينار وصالح لما يعادل 96 يوم توريد فقط، في حين أن المبلغ نفسه تقريبا كان يعادل في الفترة نفسها من العام الماضي حوالي 125 يوم توريد.. وكل ذلك بسبب انهيار سعر صرف الدينار التونسي مقابل العملتين الرئيسيتين المُعتمدتين في التوريد أي الأورو والدولار. وهو ما فاقم أزمة التبعية الاقتصادية والتجارية والمالية لتونس تجاه الخارج وأدخل البلاد في دوامة قد يصعب الخروج منها، خصوصا أن أغلب المؤشرات تؤكد أن الوضع لن يتحسن بسهولة في ظل تواصل الحرب الروسية الأوكرانية وفي ظل تواصل حالة الضعف الاقتصادي والمالي في تونس الى حدّ الآن. لن تقدر تونس على التخلص بسهولة من مخاطر التبعية والارتهان للخارج ما لم تُعجّل باتباع سياسة اقتصادية قائمة على التعويل على الذات وعلى تثمين المؤهلات والقدرات والثروات الوطنية في مختلف المجالات.. فالطاقات البديلة (الشمس والرياح) تمثل اليوم أفضل خيار لحمايتنا من التبعية الطاقية نحو الخارج على الأقل في مجال توريد الغاز الطبيعي الضروري لإنتاج الكهرباء. ومزيد الاهتمام بالقطاع الفلاحي وبتثمين الأراضي الدولية المهملة وتشجيع الفلاحين بإمكانه ان يوفر جانبا هاما من الأمن الغذائي في مجال الحبوب والأعلاف وغيرها من الحاجيات الغذائية الأساسية ويحمينا من التبعية الغذائية.. والاهتمام أكثر بقطاع الفسفاط وبغيره من الثروات الأخرى كالسياحة والتصدير قادر على توفير حاجياتنا المالية واكثر وعلى تحصيننا تجاه الارتهان المالي للخارج.. وهو ما على الدولة الانتباه له قبل فوات الأوان وقبل مزيد تفاقم الوضع نحو الأسوأ.. فاضل الطياشي