بين سرديّة تحرير الشعوب وانعامها بالديمقراطية والرفاهية كهدف رئيسي، وحقيقة اسقاط الأنظمة وتدمير الدول الواحدة تلو الأخرى خدمة لمصالح الغرب وللكيان الصهيوني أساسا، أسقط الزلزال المدمّر في سوريا القناع عن الغرب. منذ بدء الاحتجاجات في سوريا عام 2011 وتحوّلها الى حرب دامية رأس حربتها جحافل من الارهابيين من كل أصقاع العالم، كانت السردية الغربية ترتكز أو تبرّر كل ذلك بأنه من أجل أن ينعم الشعب السوري بالديمقراطية. في النهاية اكتشف العالم "الديمقراطية" التي أصبح يغرق فيها الشعب السوري وهي تشرّد الملايين من السوريين، فيما قتل مئات الآلاف وظلت البقية ترزح تحت المعاناة والمأساة والفقر المدقع. رغم كل ذلك لم يكف الغرب وخاصة أمريكا كل ما حصل بل واصلوا في سياسة الانتقام لعدم فرض ديمقراطيتهم بالقوة في سوريا عبر حصار اقتصادي مروّع نكّل بمن بقي من الشعب السوري المنكوب. ومع حدوث الزلزال المدمّر أصبحت المعاناة أضعافا مضاعفة، ورغم ذلك لا يزال الغرب يصرّ على سياسة الحصار والتجويع للشعب السوري بالدرجة الاولى وليس للسلطة السورية. في الحقيقة هذا الزلزال لم يكن مدمّرا للشعب السوري الذي يصمد ويكافح الغطرسة الغربية، بقدر ما كان مدمّرا أكثر للوجه الحقيقي للغرب الذي سقط عنه قناع "الانسانية" التي يسوّقها ضمن مبادئه لبسط السيطرة وفق عالم الخير وعالم الشر. الأكثر قبحا من اكتشاف وجه الغرب الحقيقي في التعامل مع الشعوب التي تريد أن تمنحها الديمقراطية، هي الإصرار على مواصلة الغطرسة والعنجهيّة عبر رفض رفع الحصار عن سوريا في ظلّ هذه الكارثة. يصرّ العقل الأمريكي الإمبريالي على عدم رفع العقوبات وكأن من يربض تحت الأنقاض هي السلطة السورية الحاكمة وليس الشعب السوري الذي يدّعي الغرب كذبا وبهتانا أنّهم يفعلون كل شيء من أجل أن ينعم بالحرية والرفاهية. الأكثر غرابة أيضا أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تحتل ما يقارب من ثلث الأراضي السوريّة، وتسرق ثرواتها النفطيّة والغازيّة والغذائيّة في شرق وشمال الفُرات، وتدعم الحركات الانفصاليّة. وآخر شروطها لمنح المساعدات لسوريا هي فكّ الحصار عن الفصائل الارهابية في الشمال السوري (ادلب) عبر فتح المعابر الحدودية معهم من أجل فتح ممر عبور نحو وجهتهم بعد اكمال مهمّتهم. إن الحقيقة الناصعة اليوم أن الغرب لم يقم بحرب كونية في مرحلة أولى وبحصار اقتصادي مروّع في مرحلة ثانية من أجل الشعب السوري ولا من أجل القيم الانسانية والديمقراطية وغيرها من الشعارات الرنّانة للغرب في كل مرة يريد فيها استباحة بلد عربي، بل ببساطة لأنها رفضت الخضوع والتطبيع. يكفي النظر اليوم للديمقراطية التي أتت بها أمريكا للعراق وكيف أصبح عند مقارنته بما قبل الديمقراطية وما بعدها حيث حلّ الدمار والتقسيم والانفلات الأمني والصراع الاقليمي في هذا البلد. كما يمكن النظر أيضا لديمقراطية الغزو الأطلسي لليبيا وما خلّفته الى الآن منذ 2011 حيث الانهيار الاقتصادي والتقسيم الجغرافي والانقسام السياسي وفوضى السلاح والميليشيات والمرتزقة. هذا الزلزال يجب أن يكون آخر مسمار في نعش "الديمقراطية" التي يصرّ الغرب على فرضها في العالم العربي لغاية هي في الظاهر مصلحة الشعوب وفي الباطن تفكيك الدول والسيطرة عليها عبر تقسيمها وفق مراكز قوى متعددة. بدرالدّين السّيّاري