يتداول العديد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي في تونس منذ مدة اخبارا ومعلومات مثيرة عن دراسة تفيد بوجود مائدة مائية عملاقة في الجنوب التونسي مساحتها مئات الآلاف من الكم2 وقادرة على تحويل البلاد الى جنة على الارض... ويأتي تداول هذه الاخبار والمعلومات على خلفية الأزمة المائية المفزعة التي تعيشها البلاد هذه الايام، حيث بات اختلاق أي خبر او حكاية فيها ماء، أو حتى الحديث حولها، مرغوبا ومطلوبا، ولا يهم إن كان الخبر زائفا والحكاية غير صحيحة لان غالبية الناس تميل في العادة، وفي مثل هذه الظروف بالخصوص، الى الاعتقاد في كل شيء وأساسا في الخوارق والخرافات كما هو الحال بالنسبة للدراسة المذكورة والمائدة المائية المزعومة، في حين ان كل الموارد المائية في تونس معروفة لدى القاصي والداني، ومنذ العصر القرطاجي كذلك او على الاقل العصر الروماني ! وليس من باب الصدفة على سبيل المثال ، اختيار القرطاجيين ومن بعدهم الرومان وحتى المعمرين الفرنسيين المناطق المرتفعة بالشمال ووسط البلاد والساحل، لزراعة الزياتين والكروم... فهم لم يقدموا على ذلك الا بعد ان درسوا جيدا تضاريس ومناخ وكميات المياه والامطار في هذه المناطق... ويعرفون كذلك ما تتطلبه الزراعات المذكورة من كميات مياه، مثلها مثل زراعة الحبوب... كما لم يبالغوا في زراعة الاشجار المثمرة والخضراوات لانهم يعرفون حاجتها لكميات كبيرة من المياه... اضف الى ذلك غياب الخضراوات الورقية التي تستهلك كميات كبيرة من المياه في التقاليد الغذائية لدى سكان شمال افريقيا الى حدود القرن الثامن عشر... ولم يقم القرطاجيون والرومان كذلك في عصرهم بحفر الآبار في حين قاموا في المقابل ببناء السدود، وعديد الاثار تثبت ذلك... وكانت هذه الشعوب تدرك جيدا اهمية الماء وتقدره الى غاية التقديس حتى انهم اقاموا لها معابد خاصة مثل معبد المياه في زغوان ... ماذا فعلنا نحن بعد كل هذه الشعوب و الحضارات ؟ صحيح ان الدنيا تغيرت وعدد السكان ارتفع و المناخ شهد تقلبات كثيرة افضت الى ما يعرف اليوم بالتغيرات المناخية والاحتباس الحراري المتسبب في الجفاف وشح الماء... ولكن نحن هل واكبنا هذا التغيير وتحضرنا واصبحنا واعين؟ الواضح لا ! والدليل اننا من اكثر الشعوب تبذيرا للماء ونعطي رشوة من اجل حفر بئر بشكل غير قانوني ونقوم بقلع شجر الزيتون القادر على مقاومة الجفاف وزرع بدله اشجار مثمرة وخضراوات تستهلك كثيرا من الماء ، لا لشيء سوى لكونه مربحة اكثر... والغريب ان عددا كبيرا من هؤلاء المفسدين والطماعين اضطروا امام شح المياه في السنوات الاخيرة الى قلع الاشجار المثمرة والعودة الى غراسة الزياتين، ولكن اي زياتين ! الزياتين المستوردة من الخارج ! محسن عبد الرحمان