أعطى عماد ممّيش وزير الدفاع الوطني مؤخرا إشارة إنطلاق غراسات النخيل في منطقة «المحدث» من ولاية قبلي معلنا بذلك عن بداية نحت «جوهرة» ثانية في قلب الصحراء القاسية والقاحلة. وبكل المقاييس يمثل هذا الحدث نتاجا لمراكمة تجارب طويلة في إحياء وإعمار الصحراء تشكل نموذجا على الصعيد العالمي من خلال تنمية منطقة «رجيم معتوق» التي حولتها أدمغة وسواعد الجيش التونسي من بقعة حدودية خالية تماما من البشر إلى معتمدية قوامها 7000 ساكن تنتج أجود أصناف التمور التي تحقق سنويا رقم معاملات يفوق 30 مليارا من المليمات إلى جانب أصناف كثيرة من الخضروات والفواكه. ويمثل انطلاق غراسات النخيل في منطقة «المحدث» حلقة مفصلية في مسار إحياء هذه البقعة الصحراوية التابعة لمعتمدية الفوار من ولاية قبلي الذي يهدف إلى إحداث واحات نخيل تمتد على مساحة ألف هكتار إستنادا إلى ذات المنهجية التي اعتمدت في إحياء منطقة رجيم معتوق رغم أن صحراء المحدث هي أكثر ضراوة بفعل شراسة كثبان الرمال المعروفة ب «العروق». وقبل انطلاق غراسات النخيل كان ديوان تنمية رجيم معتوق المنضوي تحت لواء وزارة الدفاع الوطني قد أنجز عدة مراحل تحضيرية بدأت بتفكيك وبسط كثبان الرمال وإنجاز الواحة النموذجية بالتوازي مع حفر الآبار وتجهيزها بالطاقة الشمسية وتهيئة المساكن التي ستقطنها العائلات المنتفعة. وبهدف مشروع تنمية «المحدث» إلى توطين ألف عائلة يحمل كل منها على مقسم فلاحي قوامه هكتار واحد ومسكن لائق إلى جانب الدعم الفني والمالي وذلك على ثلاثة أقساط حيث يجري حاليا استكمال مكونات القسط الأول الذي يمتد على 330 هكتارا فيما يمتد القسط الثاني على 400 هكتار ويمسح القسط الثالث 320 هكتارا. وقد استند المشروع الذي تساهم في تمويله الدولة الإيطالية في نطاق رسكلة الديون إلى دراسات معمقة أظهرت مردودية اقتصادية محترمة تناهز 15 بالمائة إلى جانب الأبعاد الاجتماعية بالغة الأهمية حيث ينتظر أن يمكن المشروع عند دخوله طور الانتاج من تحقيق رقم معاملات سنوي لا يقل عن 33 مليون دينار من خلال إنتاج 11 ألف طن من التمور سنويا. وبهدف الرفع من المردودية الاقتصادية والاجتماعية للمشروع تكفلت وزارة التجهيز بتعبيد طريق بطول 41 كلم تربط «المحدث» بمدينة الفوار وذلك في نطاق فك عزلة السكان التي تمثل حلقة مفصلية في منهجية إحياء وتوطين الصحراء التي يعتمدها ديوان تنمية رجيم معتوق. ويشتمل كل قسط من الأقساط الثلاثة لمشروع تنمية منطقة المحدث على مساكن بعدد العائلات المنتفعة إلى جانب المدرسة والمستوصف ومكتب البريد فيما يتمتع كل منتفع بالإحاطة الفنية والدعم المالي لحين دخول المقسم طور الانتاج. وينتظر أن يوفر المشروع ما لا يقل عن 168 ألف يوم عمل سنويا وهو ما يمثل دعامة هامة للإنتاج الفلاحي في ولاية قبلي. وبالمحصلة تهدف منهجية إحياء وتوطين الصحراء المعتمدة من قبل ديوان تنمية رجيم معتوق إلى توفير كل شروط تثبيت العائلات المنتفعة بالمقاسم في محيطها الجديد وهو ما يعكسه بوضوح المشهد الرّاهن في مدينة رجيم معتوق الواقعة على مسافة 25 كلم من الحدود الجزائرية حيث تتواتر ملامح حياة اقتصادية وإجتماعية مزدهرة في قلب الصحراء العاتية. وكانت «الشروق» قد عاينت في بداية هذا العام تقدم إنجاز مشروع تنمية «المحدث» حيث قام ديوان تنمية رجيم معتوق إلى حدود موفى 2022 بتركيز الواحة النموذجية التي تمتد على أربع هكتارات والشروع في تهيئة 160 هكتار من الواحات إلى جانب الإنطلاق في بناء قرية سكنية متكاملة تحتوي على 320 مسكنا للمنتفعين وعدد من المرافق العامة وحفر ثلاثة آبار للري مع استكمال تجهيز البئر الأولى بالطاقة الشمسية. وإلى جانب انطلاق غراسات النخيل في القسط الأول ستشهد السنة الجارية إستكمال إنجاز عدة مكونات أخرى منها حفر بئرين اثنين للري وتجهيز كل الآبار المنجزة بالطاقة الشمسية وتهيئة ومد شبكات الري لفائدة 80 هكتارا وذلك إلى جانب الشروع في ربط المحدث بالشبكة العمومية للكهرباء والإنتهاء من الدراسات التنفيذية للقسط الثاني الذي يمتد على مساحة 400 هكتار. ولعله من خلال الشروع في غراسة النخيل تزامنا مع حالة جفاف لم تشهدها تونس منذ عقود طويلة وملامح إنكماش تخيم على العالم بأسره يبرق الجيش برسالة بالغة الأهمية مفادها أن قوة العزيمة قادرة على تذليل كل الصعاب. الأخبار