بيان جدّة، الذي صدر عقب انتهاء أشغال اجتماعات القادة العرب، أفرد المسألة الاجتماعية و الاقتصادية ببنود عدّة تحتاج في نظرنا إلى التحليل المعمّق و الدّراسة من أجل فهم كيفية تحويل تلك الأفكار إلى برامج واقعية تطبق على أرض الواقع. فقد ورد في البيان أن القادة يؤكدون على أن التنمية المستدامة، والأمن ،والاستقرار، والعيش بسلام، حقوق أصيلة للمواطن العربي، ولن يتحقق ذلك إلا بتكاتف الجهود وتكاملها، ومكافحة الجريمة والفساد بحزم وعلى المستويات كافة، وحشد الطاقات والقدرات لصناعة مستقبل قائم على الإبداع والابتكار ومواكبة التطورات المختلفة، بما يخدم ويعزز الأمن والاستقرار والرفاه لمواطني دولنا. وعبروا عن إيمانهم بأن الرؤى والخطط القائمة على استثمار الموارد، والفرص، ومعالجة التحديات، قادرة على توطين التنمية، وتفعيل الإمكانات المتوفرة، واستثمار التقنية من أجل تحقيق نهضة عربية صناعية وزراعية شاملة تتكامل في تشييدها قدرات دولنا، مما يتطلب ترسيخ تضامننا وتعزيز ترابطنا ووحدتنا لتحقيق طموحات وتطلعات شعوبنا العربية. وقد توجه المجتمعون بتحية للمملكة العربية السعودية على إطلاقها،عدة مبادرات من أهمها مبادرة استدامة سلاسل إمداد السلع الغذائية الأساسية للدول العربية، والتي تعتمد بشكل أساسي على مجموعة من الأنشطة وتوفير فرص استثمارية ذات جدوى اقتصادية ومالية تساهم في تحقيق الأمن الغذائي لدول الوطن العربي، والمساهمة الفاعلة في تلبية احتياجات الدول العربية من السلع الغذائية . و مبادرة البحث والتميز في صناعة تحلية المياه وحلولها، بغرض تحفيز البحث العلمي والتطبيقي والابتكار في صناعة إنتاج المياه المحلاة وحلول المياه للدول المهتمة والمحتاجة، والتركيز على نشر ومشاركة المعرفة والتجارب والمساهمة في تحسين اقتصاديات هذه الصناعة لخفض التكلفة ورفع كفاءة العمليات واستدامتها بيئياً ،والمساهمة في إصدار المواصفات والمقاييس المعيارية والهيكلة المؤسسية لقطاعات المياه لتكون صناعة استراتيجية للدول العربية. و مبادرة إنشاء حاضنة فكرية للبحوث والدراسات في الاستدامة والتنمية الاقتصادية، والتي من شأنها احتضان التوجهات والأفكار الجديدة في مجال التنمية المستدامة وتسليط الضوء على أهمية مبادرات التنمية المستدامة في المنطقة العربية لتعزيز الاهتمام المشترك ومتعدد الأطراف بالتعاون البحثي وإبرام شراكات استراتيجية. والناظر في كلّ هذه الأفكار و المبادرات، لا يمكن إلاّ أنّ يقرّ بأنّها تصب في جوهر انشغالات المواطن العربي ونخبه الفكرية وخاصة أولئك المهتمين بدراسات التنمية الاقتصادية والاجتماعية. ولكن تحويل هذه الأفكار إلى برامج واقعية يستفيد منها المواطن العربي أينما كان، يتطلب اولا التخلي عن الأحلام و الأوهام التي لا تنتج شيئا، وعلى الدول أن تجهز برامج استثمارات كبرى في جميع القطاعات وتطرحها في شكل استثمارات مع الدول العربية الغنية و مع المستثمرين العرب القادرين على تمويل مشاريع ضخمة. و يتطلب ثانيا تشبيك الجامعات العربيّة في مشاريع بحوث مشتركة تهتم بقضايا الاقتصاد و التنمية المستدامة. كما تتطلب أيضا أن يقع تدوير راس المال العربي و الفوائض المالية الضخمة لدى بعض الدول في منطقتنا التي يمكن اعتبارها أرضا خصبة، وبهذا وحده سننتقل إلى مرحلة التنمية الشاملة و المستدامة، و الكرة الآن هي بيد إحدى أكبر الدول العربية و أكثرها موارد مالية ونعني المملكة العربية السعودية التي يجب أن تتحول إلى قاطرة للاقتصاد العربي. كمال بالهادي