احتضنت دولة الكويت يومي 19 و20 جانفي الجاري القمة العربية الاقتصادية والتنموية والاجتماعية التي التأمت تحت شعار «التضامن مع الشعب الفلسطيني في غزة» وشاركت فيها أغلب الدول العربية التي حضرت إلى الكويت ممثلة بملوكها ورؤسائها وأمرائها، ومثلما كان منتظرا فقد سيطر الوضع المأساوي في قطاع غزة على أشغال هذه القمّة ذات الطابع الاقتصادي. وقد أكّدت القمّة العربية من خلال كلمات الملوك والرؤساء في اليوم الافتتاحي دعمها الكامل للشعب الفلسطيني وإدانتها المطلقة للعدوان الاسرائيلي الغاشم ومطالبتها بوقف فوري للعدوان وانسحاب القوات الاسرائيلية من القطاع. وتجلّى هذا الدعم من خلال ما تمّ اعلانه في الجلسة الافتتاحية من مبادرات مهمة بشأن «صندوق اعادة اعمار غزة» حيث أعلنت السعودية عن تبرعها بمبلغ مليار دولار فيما أعلنت الكويت عن تبرعها ب 34 مليون دولار لتمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» ويضاف إلى ذلك ما أعلنته دولة قطر في الأسابيع الماضية عن تخصيص مبلغ 250 مليون دولار لهذا الصندوق. كما تجدر الإشارة الى ما أعلنه أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد في الجلسة الافتتاحية للقمّة من مساهمة الكويت ب 500 مليون دولار في اطار مبادرة كويتية تنموية برأسمال مال 2 مليار دولار لتوفير الموارد المالية اللازمة للمشاريع التنموية التي سيتولاها الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي. قمّة المصالحات تميّزت قمّة الكويت بتحقيق مصالحة تاريخية حيث التأمت جلسة ودية بمقر اقامة ملك السعودية بقصر بيان بالكويت وحضر هذه الجلسة الملك عبد الله بن عبد العزيز (السعودية) والشيخ صباح الأحمد (الكويت) والرئيس بشار الأسد (سوريا) ومحمد حسني مبارك (مصر) والشيخ حمد بن خليفة (قطر) والملك عبد الله الثاني (الأردن) والشيخ حمد بن عيسى (البحرين) إلى جانب أمين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى وأفادت مصادر مطلعة «للشعب» أنّ هذه الجلسة المضيقة جاءت تلبية لدعوة ملك السعودية لتناول طعام الغداء على مائدته وتمّ تأكيد أنّ هذه الجلسة ستكون جلسة المصالحة والمصارحة، وتوقّع عديد المراقبين حصول هذا التطور الايجابي في قمّة الكويت حيث وردت فقرة مهمة في كلمة خادم الحرمين الشريفين اذ قال: «يجب أن أكون صريحا صادقا مع نفسي فأقول: أنّ خلافاتنا السياسية أدّت إلى فرقتنا وانقسامنا، وكانت هذه الخلافات ومازالت عونا للعدو الاسرائيلي القادر ولكل من يريد شق الصف العربي لتحقيق أهدافه الاقليمية على حساب وجداننا وعزّتنا وآمالنا، إنّنا قادة الأمة العربية مسؤولون جميعا عن الوهن الذي أصاب وحدة موقفنا، وعن الضعف الذي هدّد تضامننا، أقول هذا ولا أستثني أحدا منّا، لقد مضى الذي مضى، واليوم أناشدكم بالله جل جلاله، ثمّ بإسم الشهداء من أطفالنا ونسائنا، وشيوخنا في غزة، بإسم الدم المسفوح ظلما وعدوانا على أرضنا في فلسطينالمحتلة الغالية، باسم الكرامة والإباء، باسم شعوبنا التي تمكن منها اليأس أناشدكم ونفسي أن نكون أكبر من جراحنا وأن نسمو على خلافاتنا وأن نهزم ظنون أعدائنا بنا، ونقف موقفا مشرفا يذكرنا به التاريخ وتفخر به أمتنا ومن هنا اسمحوا لي أن أعلن باسمنا جميعا أنّنا تجاوزنا مرحلة الخلاف وفتحنا باب الاخوة العربية والوحدة لكل العرب دون استثناء أو تحفظ وأنّنا سنواجه المستقبل بإذن الله نابذين خلافاتنا، صفا واحدا كالبنيان المرصوص مستشهدين بقوله تعالى «ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم». كلمات وشهدت الجلسة الافتتاحية إلقاء كلمات أمير الكويت والرئيس السوري والرئيس المصري وملك السعودية والرئيس الفلسطيني والأمين العام لجامعة الدول العربية والرئيس السينغالي والأمين العام للأمم المتحدة ورئيس البنك العالمي ومفوّض الاتحاد الافريقي ورئيس غرفة تجارة وصناعة الكويت... ومن أهم ما ميّز كلمة الرئيس بشار الأسد تأكيده للدعم الصريح للمقاومة الفلسطينية في غزة ورفض التشكيك في وطنيتها أو شرعيتها أو إضعافها وحقّها في مقاومتها الثابتة للعدوان ووصف الكيان الصهيوني بالكيان الإرهابي أمّا الرئيس حسني مبارك فقد جدّد التمسّك بالمبادرة العربية للسلام معتبرا أنّ قوى خارجية تسعى لإستغلال مأساة غزة وتتطلّع للهيمنة والمتاجرة بأرواح الفلسطينيين ودمائهم وأكد أنّ جريمة غزة امتحنت العمل العربي المشترك فكشفت أوجاعه وعيوبه وافتراقه وتشتته. مشروع اعلان الكويت تحت شعار «الإرتقاء بمستوى معيشة المواطن العربي» جاء مشروع إعلان الكويت الصادر عن القمة العربية الاقتصادية والتنموية والاجتماعية والذي أكّد الصلات الوثيقة والأهداف المشتركة التي تربط الوطن العربي والعمل على توطيدها وتدعيمها وتوجيهها الى ما فيه تنمية المجتمعات العربية قاطبة وضمان أحوالها وتأمين مستقبلها من منطلق فكري اقتصادي تنموي عربي عصري وجديد مشيدا بالمبادرة الكويتية المصرية التي أكدت العلاقة بين الأمن الاجتماعي العربي والتنمية الاقتصادية والاجتماعية والتي تمّ تفعيلها بصدور قرار قمّة الرياض (2007) وقمّة دمشق (2008) بعقد قمة تخصّص لدفع عملية التنمية في العالم العربي. وقد تمّ الاتفاق بين الدول العربية على ما يلي: التكامل الاقتصادي والاجتماعي العربي مضاعفة الجهود لتحقيق هذا التكامل والتنمية الاقتصادي للدول العربية بما يحقق تطلّعات الشعوب العربية ويجعلها أكثر قدرة على الانخراط في الاقتصاد العالمي والتعامل مع التجمعات السياسية والاقتصادية الدولية. الأزمة الاقتصادية العالمية: إتباع سياسات نقدية ومالية تعزّز قدرة الدول العربية على تفادي تداعيات الأزمة المالية العالمية وتفعيل دور المؤسسات المالية العربية لزيادة الاستثمارات العربية لدعم الاقتصاد الحقيقي للدول العربية. الإستثمار: التوجيه بتشجيع الاستثمارات العربية البينية وتوفير المناخ الملائم والحماية اللازمة لها وتسهيل حركة رؤوس الأموال العربية بين أقطار الوطن العربي وتوسيع نطاق وآليات تنفيذ الاتفاقية الموحدة للإستثمار العربي. التمويل والمؤسسات المالية: التوجيه بتعزيز دور الصناديق والمؤسسات المالية المشتركة الوطنية وتطوير مواردها ونوافذها لتمويل مشروعات البنية الأساسية لتتمكّن من المساهمة في تمويل مشاريع البعث الاقتصادي العربي بالاشتراك مع القطاع الخاص وتوفير التسهيلات الائتمانية. كما أوصى مشروع اعلان القمة بإعطاء الدفع الضروري لمجالات الإحصاء ودور القطاع الخاص في التنمية الاقتصادية والتنمية البشرية والتعليم والبحث العلمي والخدمات الصحية والحد من البطالة ودعم دور المرأة والشباب ومزيد الاهتمام بظاهرة الهجرة والاسكان والتنمية الزراعية والأمن الغذائي والتنمية الصناعية والتجارة والنقل وتجارة الخدمات والبيئة والطاقة والسياحة والملكية الفكرية والاتصالات وتقنية المعلومات. المنتدى الاقتصادي: قبل انطلاق القمة العربية احتضنت دولة الكويت يومي 17 و18 جانفي الماضي فعاليات المنتدى الاقتصادي والذي شهد مشاركة أكثر من 1200 شخص يمثّلون مؤسسات وهياكل المجتمع المدني والقطاع الخاص وتمّ خلال هذا المنتدى طرح عديد المواضيع ذات الطابع الاجتماعي والاقتصادي وقد شاركت تونس في هذا المنتدى بوفد ضم السيد الأزهر بوعوني (وزير التعليم العالي والبحث العلمي والتكنولوجيا) والذي قدّم مداخلة استعرض فيها التجربة التونسية في مجال التعليم العالي ودورها في تخريج الكفاءات العالية. وأيضا السيد الهادي الجيلاني (رئيس الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية) والذي قدّم مداخلة دعا فيها بالخصوص إلى تطوير التجارة البينية وتقديم التسهيلات أمام رؤوس الأموال العربية لمزيد توفير فرص الاستثمار. كما حضر أشغال هذه القمة وفد اعلامي تركّب من ممثلي مختلف المؤسسات الاعلامية المكتوبة والمرئية. مقترحات الرئيس بن علي للقمة العربية بالكويت تقدّم الرئيس زين العابدين بن علي إلى القمّة العربية بالكويت بجملة من المقترحات العملية من شأنها أن تعيد الحياة إلى الشعب الفلسطيني في غزة وأن تعزّز سبل الشراكة والتنمية وتحقق التكامل الاقتصادي بين الأقطار العربية. وتتمثّل هذه المقترحات في: إعادة إعمار غزة الدعوة إلى انشاء صندوق خاص باعادة أعمار غزة واصلاح مادمره الاعتداء الاسرائيلي بالتعاون مع المنظمات الأممية المعنية وكل الدول المحبة للسلام. دعم البحث العلمي خدمة للتنمية اقتراح تخصيص 5.1 بالمائة على الأقل من الناتج المحلي الاجمالي بالأقطار العربية لفائدة البحث العلمي بما يساعد على ايجاد الحوافز والآليات الملائمة لاستقطاب الباحثين وانشاء المراكز والمخابر التي تعمل في نطاق استراتيجية هادفة تربط مؤسسات البحث بمحيطها الاقتصادي وتقرن البحث العلمي الأساسي بالبحث العلمي التطبيقي كما توفر للأقطار العربية مجالا واسعا لتبادل التجارب والخبرات في هذا القطاع الاستراتيجي. تحقيق التكامل الاقتصادي العربي استحثاث الخطى لإتخاذ كل التدابير المساعدة على احكام استغلال الفضاء العربي الواسع من أجل انسياب أفضل للخدمات والمنتجات ذات المنشإ العربي وتدفق أكبر للإستثمارات ورؤوس الأموال وتنقل أيسر للأشخاص والأيدي العاملة والسلع بما يكفل تحقيق التكامل الاقتصادي بين الأقطار العربية في اطار منطقة التجارة الحرّة العربية الكبرى. إزالة ما تبقى من عقبات أمام تطور المبادلات التجارية العربية على الوجه المرضي تمهيدا لقيام الاتحاد المري العربي بحلول 2015 ثمّ قيام السوق العربية المشتركة بحلول 2020. إرساء شراكة عربية متضامنة ومستدامة مزيد دعم البنية الأساسية بالأقطار العربية بالإسراع بتنفيذ مخططات الربط بالسكك الحديدية والربط الكهربائي وتطوير المواصلات البرية والجوية والبحرية وفتح المجال أمام انجاز مشاريع اقتصادية كبرى مشتركة بالتعاون مع القطاع الخاص وصناديق ومؤسسات التمويل العربية. العمل على تحقيق الأمن الغذائي العربي باعتباره قضية مصيرية في منظومة الأمن القومي.