يدور حديث غريب منذ نحو أسبوع و تحديدا منذ الإعلان عن مشروع اتفاق مع الشريك الأوروبي، عن وجود صفقة ما، ستنال بموجبها تونس مساعدات مالية، مقابل قبول فكرة توطين المهاجرين الذين يقع ترحيلهم من الدول الأوروبية، إلى دولهم الاصلية او إلى دول العبور، والحقيقة ان اعتماد مصطلح «الصفقة» فيه كثير من الإساءة إلى دولتنا، وفيه حطّ من كل القيم التي تمثلها حضارتنا التونسية و العربية الإسلامية عموما. و الغريب أن من يروج مثل هذه المصطلحات هو الإعلام العمومي نفسه، الذي يفترض أن يدافع عن سياسات الدولة بقطع النظر عن الاشخاص. و بالرغم من ان الرئيس قيس سعيد قد حسم هذا الموقف حسما واضحا من خلال قوله إن تونس» ليست دولة توطين أو عبور، ولن تكون في المستقبل»، فإن الكثير من المنابر تصر على مصطلح الصفقة و شعارها التمويل مقابل التوطين في استعادة لمصطلح سيئ الذكر يعود إلى حصار العراق، واعتمد فيه النفط مقابل الغذاء. الاتفاق مع الأوروبيين، مازال مشروعا، ويمكن أن ينتهي التفاوض فيه مع نهاية الشهر الحالي، و تونس لم تقل كلمتها الفصل بعد، في جميع بنود الاتفاق لكنها حسمتها في نقطة واحدة وهي رفض التوطين، ورفض أن تكون تونس حارسا لشواطئ أوروبا. و الذين يقيسون حالة تونس بحالة تركيا في سنوات 2014 و 2015 ، حينما كان ملايين الناس يزحفون فرارا من الحرب في الشرق الاوسط نحو شرقي أوروبا، إنما يتخذون المثال الأسوأ لان تركيا كانت تمارس انتهازية لا تخفى على أحد واستفادت ماليا وكانت تقولها صراحة عن طريق رئيسها أردوغان، المال مقابل إغلاق ابواب الهجرة وكان «المحللون» في تونس وغيرها يهللون بهذه السياسة الحكيمة لأردوغان، واليوم يعتمدون نفس السلاح للهجوم على الرئيس قيس سعيد، رغم اختلاف الملفين. بكل وضوح تونس لا يمكنها الانخراط في «صفقة» على حساب مواطنين أفارقة يشاركوننا نفس الأوضاع، وقيمنا و مبادئنا لا تسمح لنا بمعاملة المواطنين الأفارقة الفارين من دول خربتها الدول الاستعمارية الغربية، بمثلما تمت معاملتهم في القرون السابقة عندما كانت السفن الغربية تحشدهم في محتشدات لا إنسانية و تقودهم مكبلين بالأغلال إلى الأراضي الجديدة وهناك كانوا يلقون مصيرهم المحتوم من استعباد و استغلال و قتل. تونس تدافع عن مصالحها في مقابل ديبلوماسية غربية نشطة جدا لحماية ما تبقى لها من مصالح في القارة الإفريقية، و إذا ما تقاطعت مصالحنا مع مصالحهم، فلا مانع من عقد اتفاقيات شراكة ندية، ولكن ليس على حساب القيم الإنسانية التي لا يمكن لتونس أن تنخرط في انتهاكها مهما كلفها ذلك من ثمن باهظ. بعض الأصوات في تونس، ليست سوى اصداء لمواقف أجنبية ومحلّية لا ترغب لبلدنا أن يخرج من أزمته الاقتصادية الخانقة التي كانت ذات الأطراف سببا فيها. وكلما فتحت بلادنا كوّة لتطل منها على العالم الجديد، وتنخرط في مساراته السياسية و الاقتصادية إلاّ ووجدنا هذه القوى المشكّكة و المحبطة، والذين ينسون تاريخ هذا البلد العريق ، وتقف رؤيتهم عند الوضعية الاقتصادية الحالية، و لا يريدون الاعتراف أن مسارات الدول تمرّ حتما بفترات صعود و هبوط، ولكن حركة التاريخ لا تستقر على حال، وتونس ستعود أقوى و أكثر حيوية، دون صفقات. كمال بالهادي