لم يتأخر تفجّر «القنبلة الموقوتة» التي يمثلها التكدّس الغير قانوني لآلاف المهاجرين الأفارقة من دول جنوب الصحراء بمدينة صفاقس. حيث أصبحت المواجهات بين أهالي المدينة والمهاجرين شبه يومية. لكنها تطورت في اليومين الأخيرين لتأخذ أحجاما وأشكالا خطيرة تجعلها مقدمات لمواجهات شاملة. وقد مثل مقتل الشاب التونسي على أيدي مهاجرين أفارقة نقطة فارقة حيث لن يكون الوضع بعد عملية القتل مثلما كان قبلها. وهو ما يضع الدولة بالخصوص وأجهزتها المعنية أمام مسؤولية تاريخية تتمثل في تفكيك هذه «القنبلة الموقوتة» واستئصال الظاهرة من جذورها قبل أن تزيد استفحالا وقبل أن تصبح عصية على أية معالجة بالنظر إلى عمليات الشحن التي بات يمررها المهاجرون إلى بعضهم البعض وهي تدفعهم في كل الحالات إلى استخدام القوة والتجييش للدفاع عن وجودهم اللاشرعي على الأراضي التونسية. قبل فترة تكلم رئيس الدولة وأكّد أن بلادنا لن تكون بلد توطين أو عبور للمهاجرين الأفارقة غير الشرعيين. وقد أعاد تأكيده يوم أمس قول كرره أمام المسؤولين الأوروبيين رافضا الرضوخ لأي ابتزاز ولأية ألاعيب خبيثة تهدف إلى الضغط على بلادنا بظروفها الاقتصادية الصعبة لتحويلها إلى بلد لجوء وعبور لجحافل المهاجرين غير الشرعيين الذين تلفظهم أوروبا. وعندما تكلم رئيس الدولة موضحا أن بلادنا لن تستقبل إلا المهاجرين المقيمين بصفة قانونية وأن بلادنا ترفض كل أشكال الابتزاز ولي الذراع سمعنا بعض الأصوات المبحوحة التي تختبئ كالعادة وراء قيم حقوق الانسان ووراء بعض الشعارات المنفلتة ل«تشرعن» لوجود هذه الجحافل من المهاجرين على أراضينا. متناسين أن وجود هؤلاء وتوافدهم على بلادنا بتلك الوتائر المهولة هو عبارة عن كرة نار سوف تحرق الأخضر واليابس وستقوّض استقرار البلد الذي يرتبط به تواصل دوران اقتصادنا الهش والمحتاج أساسا إلى الهدوء والاستقرار لانتعاش قطاعات مثل السياحة والتجارة. فما رأي هؤلاء والأحداث تتطور نحو هذا المنعرج الخطير والذي وصل حد القتل وهو ما سوف يستدعي ردود فعل تبقى مفهومة وان كنا نحبذ لو تكون من خلال تفعيل القانون وعمل مؤسسة القضاء. لكن الانحرافات وردود الأفعال الغاضبة تبقى واردة.. وهي تضع أمام الجميع وأمام الدولة وأجهزتها بالخصوص إشارة حمراء مفادها أنه لن يكون ممكنا السكوت مستقبلا على هذه الظاهرة وهي تكبر وتتدحرج مثل كرة النار لتصبح تهديدا حقيقيا لأمن وسلامة مواطنينا ومجتمعنا ولاستقرار بلادنا. الآن بات النظر إلى أصل المشكلة أمرا ضروريا وأساسيا ولم يعد ممكنا الاختباء وراء أي اعتبار لتبرير الصمت الرسمي على هذه الظاهرة وهي تكبر وتأخذ هذه الأحجام الخطيرة.. وفي هذا الباب هناك أسئلة لا بدّ من طرحها وايجاد أجوبة لها: لماذا يتواصل تدفق حجافل المهاجرين غير الشرعيين على بلادنا؟ ولماذا يتكدسون في ولاية صفاقس بالخصوص؟ من أين يأتون؟ من يسهّل دخولهم البلاد؟ ما طبيعة الشبكات أو الجهات الضالعة في هذا التيار؟ ومن ثم كيف نوقف النزيف؟ الأكيد أن أجهزتنا الأمنية والعسكرية تملك كل عناصر الأجوبة عن هذه التساؤلات. وفي ظل وجود إرادة سياسية واضحة من أعلى هرم السلطة فإنه لا يبقى غير وضع الخطط لتقنين وضعيات من يستجيبون للشروط القانونية واجلاء البقية إلى بلدانهم.. مع بذل جهود إضافية لضبط الحدود ووقف عمليات تدفق هذا السيل من البشر من دول الجوار. لأنه سيكون أمرا عبثيا أن نتركهم يدخلون البلاد ثم نسعى إلى وجود معالجات صعبة في ظل أوضاعنا الاقتصادية الصعبة والاجتماعية المتأزمة بطبعها. لقد دقت ساعة الحقيقة.. واما وقف النزيف حالا.. واما تحويل بلادنا إلى وجهة للتوطين والعبور مع ما يمثله ذلك من خطر على أمن واستقرار البلاد، وقد اشتعلت اشارة الانذار من صفاقس. المفروض أن تلتقط الاشارة. عبد الحميد الرياحي