بعد شدّ وجذب وصل حد الصراع العلني، توصّلت بلدان الاتحاد الأوروبي لاتفاق حول نظام الهجرة وصف ب"التاريخي"، لكن هذا الاتفاق الجديد بدا مليئا بالفخاخ خاصة في نقطة طريقة إعادة المهاجرين غير النظاميين. ويُلزم الاتفاق الجديد الدول الأعضاء بإنشاء مراكز على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي (على الحدود البرية وفي المطارات على وجه الخصوص) للمهاجرين الذين لديهم فرصة ضئيلة إحصائياً للحصول على اللجوء. والهدف من ذلك حسب نص الاتفاق، هو عدم دخولهم أراضي الاتحاد الأوروبي، على أن تخضع طلبات لجوئهم لفحص سريع من أجل تسهيل عودتهم إلى بلدهم الأصلي أو بلد العبور. النقطة المثيرة للجدل في هذا الاتفاق الجديد هي " تسهيل عودتهم إلى بلدهم الأصلي أو بلد العبور"، واضافة "او الى بلد العبور" تعني أساسا امكانية توطينهم ضمن فكرة البلدان الثالثة "الآمنة". فقد أرادت إيطاليا واليونان والنمسا إعادة المهاجرين الذين يُعتبر طلب لجوئهم غير مقبول إلى بلدان ثالثة تعتبرها "آمنة"، مثل تونس أو ألبانيا، حتى في حال عدم وجود روابط خاصة (أسرية أو علاقة عمل) بين المهاجر وهذا البلد. هذا التمشي الاوروبي يعني أنهم أرادوا صراحة التخلّص من هذه القنبلة الموقوتة عبر القائها في أحضان تونس خاصة، التي تمرّ بأوضاع اقتصادية صعبة وفشلت لحد اليوم في إبرام اتفاق قرض مع صندوق النقد الدولي. ويبدو أن الاوروبيون يريدون الاستئناس بالتجربة البريطانية التي تقوم على توطين المهاجرين غير النظاميين في رواندا، حيث قضت فعلا المحكمة العليا في بريطانيا بأن خطة الحكومة لترحيل مهاجرين إلى رواندا قانونية. صحيح أن كل من ألمانيا وفرنسا عارضتا هذه الفكرة وقدّموا حلا وسطا يقوم على ترك الأمر لكل دولة عضو لتقييم ما إذا كان مجرد العبور عبر بلد ما يشكل رابطاً كافياً لإعادة المهاجر إليه. لكن بربط الوضعية الاقتصادية الصعبة لتونس ورغبتها الملحّة في إبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي، قد يكون ملف توطين المهاجرين غير النظاميين هو نقطة الضعف ونقطة الاختراق. رئيس الجمهورية قيّس سعيّد استشعر هذا الفخ على ما يبدو ، لذلك استبق زيارة المسؤولين الاوروبيين الثلاثة الاحد الماضي الى تونس بزيارة الى صفاقس أين قال صراحة إنه " لا يجب أن يكون الحل على حساب الدولة التونسية"، مضيفا أن "تونس لن تقوم بدور الحارس لفائدة دول أخرى". عكس ما يروّج له البعض، أن تكون تونس في وضع مالي صعب لا يعني بالضرورة أن تتنازل على سيادتها وتلعب دور حارس الحدود وأن يفرض عليها توطين المهاجرين غير النظاميين وهذا الابتزاز إن صحّ فإنّه أمر مرفوض تماما. فمثل ما لا تسمح الدول الاوروبية بتوطين المهاجرين غير النظاميين إلا من ترى فيه مصلحتها، يحقّ لتونس أيضا أن تكون سيّدة نفسها وتتصرّف وفق قوانينها السيادية مع الاحترام الكامل للوضع الإنساني لهم. إضافة الى ذلك كلّه فإن الحلول الأمنية لهذا الملف أثبتت فشلها طيلة العقود الماضية وحان الوقت لإرساء حلول جذرية، فكما يذهب الاوروبيون لأدغال إفريقيا و يستنزفون ثرواتها عليهم أيضا أن يجدوا حلولا تتماشى مع هذا التمشي. إن النظرة الدونية التي صرّح بها العام الماضي مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، عندما وصف أوروبا ب"الحديقة" ومعظم العالم بأنه "غابة"، ولا عهدها وحان وقت جعل "الغابة" التي ينهبونها "حديقة" أيضا ودون ذلك لن يتوقّف هذا الوحش (الهجرة) عن استنزاف الجميع. بدرالدّين السّيّاري