بين مواصلة جرائم الحرب المروعة وعملية الابادة الجماعية لسكان غزة، وبين القيام باجتياح بري عواقبه وخيمة ومدمّرة، يقبع الاحتلال الصهيوني بين مأزقين كبيرين يهدّدان كيانه. منذ ال7 من أكتوبر الجاري أين مرّغت المقاومة بعملية جريئة صورة وأسطورة الكيان الصهيوني في الأرض، يفكّر الاحتلال فقط في الانتقام وسط تصدّع الجبهة الداخلية الرسمية والشعبية و الأضواء الحمراء الاقليمية من تفجير المنطقة كلّها. ككلب مسعور، التجأ الكيان الصهيوني في المرحلة الأولى وكعادته دائما، الى ارتكاب جرائم حرب مروّعة و إبادة سكان غزة بطريقة ممنهجة، مدعومة بالضوء الأخضر الغربي وبالصمت العربي. فقد قام الاحتلال ولحد هذه الأسطر بمسح أحياء سكنية بأكملها مع ساكنيها، وارتكب مجازر بالجملة خلّفت أكثر من 5 آلاف شهيد وآلاف الجرحى الآخرين، وكل هذا مرفوقا بالتهجير ومنع المساعدات الانسانية. هذا الاستهداف الوحشي أخرج الكيان من صورة المظلوم والمدافع عن نفسه، الى صورة الكيان الدموي الذي يعيش على دماء الأطفال والنساء والشيوخ وهو ما قلب الصورة الى حد ما عند شعوب العالم خاصة الغربي. فالكيان الصهيوني يخاطر هذه المرة وهو يبيد غزة بعبادها وحيواناتها وأشجارها، عبر قصفها بأكثر من ربع قنبلة نووية ولا يزال، بصورته التي سوّق لها في الشرق الأوسط على أنه قلعة ديمقراطية وعلى أنّه يدافع عن نفسه فقط، والأخطر من ذلك كلّه انكشاف حقيقة أنّه ليس صاحب الأرض لدى شعوب العالم. ومع فشل مخطّط التهجير الذي رسمه من وراء عملية هذه الابادة لسكان غزة، لم يحقّق الكيان الصهيوني أي نصر استراتيجي يذكر، فلا أهل غزّة رحلوا عن أرضهم ولا المقاومة هدأت صواريخها، بل على العكس تماما تعدّ العدة لمعركة إذلال جديدة للاحتلال. بالتوازي مع هذا المأزق التي باتت كلفتها عالية على صورة الاحتلال في الساحات الدولية وفي فكر شعوب العالم، يتخبّط الاحتلال في مأزق آخر هو القيام بعملية اجتياح بري من عدمها. فيوما بعد يوم يعربد الاحتلال ويزمجر ويحشد لعملية اجتياح برّي، لكن الى الآن لا شيء سوى الخوف، فقطاع غزة بالنسبة للاحتلال هو بيت مغلق ومظلم لا يدري فاتحه ماذا ينتظره داخله، و بات كمن يريد الذهاب لاسترجاع قميصه من خصمه لكن يحدوه خوف من أن يخسر بنطلونه أيضا. واضافة الى حالة الصدمة التي لازالت تسري في أجساد الصهاينة منذ 7 أكتوبر، تعمّ حالة من الفوضى داخل دوائر القرار الصهيوني، فبينما تتريّث الادارة السياسية -وإن ادّعت عكس ذلك كذبا- في عملية الاجتياح ،يدفع الشق المتطرّف في الحكومة وفي الجيش الى القيام بها. وحالة الفوضى هذه لا تقتصر على قرارات المسؤولين فقط، بل إنها تتجاوزها الى حالة الجيش المعنوية واللوجستية والى حالة الاقتصاد المنهك والذاهب الى الانهيار، بالإضافة إلى الخوف العارم من هزيمة نكراء جديدة تكمل ما بقي من صورة وأسطورة الاحتلال الواهية بعد "طوفان الأقصى". لذلك يكابر الاحتلال كذبا ويقدّم كل مرة تفسيرا لعدم القيام بالاجتياح، فمرّة يقول أنه بصدد اكمال تدمير قوة المقاومة ومرة يقول الظروف المناخية غير مواتية ومرة أخرى يقول إنه في انتظار قدوم قوات أمريكية وهلمّ جرا. وبعد كل هذه التعلات الزائفة، نزل الاحتلال من شجرة كبريائه وغطرسته وبدأ يتحدّث عن شروط لوقف الحرب، حيث طالب بإطلاق جميع الرهائن دون مقابل واستسلام "حماس"، وهي هلوسات صهيونية مستحيلة. الاحتلال بين مأزقين الآن، وقد تدفعه غطرسته وجنونه للانتقام الى السقوط في مآزق أخرى جمّة على رأسها فتح جبهة أخرى مع حزب الله اللبناني، وهو أمر يحسب له الكيان الصهيوني وأمريكا والغرب من وراءهم ألف حساب. بدرالدّين السّيّاري