مضى زمن بعيد لم تبلغ فيه «النعرة الوطنية» هذا المبلغ من القوة الذي عبر عنه الرئيس قيس سعيد وهو يكلف وزارة الخارجية بإبلاغ احتجاج شديد اللهجة لعدد من سفراء الدول الغربية المعتمدين بتونس. والواضح أن الخطاب الحاد الذي توجه به رئيس الدولة إلى حكام هذه الدول وفي مقدمتهم الرئيس الأمريكي جو بايدن والرئيس الفرنسي «إمانويل ماكرون» بقدر ما كان أمينا لإرادة الشعب التونسي التائق إلى كسر كل قيود الإستعمار الثقافي والاقتصادي فقد أعاد مدار الضغط إلى الإتجاه الصحيح ليقول إن المشكل في تلك الدول وليس في تونس. وربّما تعمد الرئيس قيس سعيد ذكر الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني الصامد والأبى ليعري الأزمة الأخلاقية العميقة والمركبة التي تتخبط فيها كل مكونات المنظومة الصهيونية وأصبحت بالفعل خطرا جسيما يتهدد الأمن والسلم الدوليين لاسيما في خضم إمعان حكام هذه الدول في نهج التهديد بالإرهاب لكسر مجرى التاريخ الجديد للبشرية الأخذ في التشكل. وبالنتيجة تجاوز رئيس الدولة بكثير المنطق التقليدي للمصالح الثنائية ليستهدف جذور التصادم القائم بين ثوابت تونس الجديدة والعصابات التي تحكم فرنساوأمريكا وسائر مكونات المنظومة الصهيونية وأصبحت مستعدة لفعل أي شيء من أجل تركيع شعوبها وسائر الدول المنخرطة في بناء عالم حر جديد على أنقاض عالم الأسياد والعبيد الذي طالما فرضته المنظومة الصهيونية بالتضليل والإرهاب الذي ليست له حدود. وربما عرت محاولة اغتيال رئيس حكومة سلوفاكيا المناهض للإملاءات الأمريكية إزدواجية الخطاب والممارسة المتأضلة في حكومات المنظومة الصهيونية ولاسيما أمريكاوفرنسا التي تستخدم عادة البيانات السياسية لحجب ما تحبكه في السر من مؤامرات خبيثة مثل الإغتيالات والتفجيرات والثورات الملونة لإعادة خلط الأوراق في الدول التي ترى فيها خطرا على مصالحها فقد سبق للولايات المتحدة أن اغتالت عام 2022 الزعيم الوطني الياباني «شينزو آبي» ليلة الإنتخابات التشريعية حتى تضمن عدم خروج اليابان عن الصف. وبالمحصلة جاءت النبرة الحادة لرئيس الدولة انعكاسا لتراكمات تظهر بكل وضوح أن النهج الذي تسير فيه الطبقة الحاكمة في فرنساوأمريكا وسائر مكونات المنظومة الصهيونية بما في ذلك البرلمان الأوروبي الذي يتقاضى نصف أعضائه رواتب من إسرائيل يمثل بكل المقاييس خطرا جسيما على الأمن القومي التونسي فالبيانات الأخيرة الصادرة عن باريس وواشنطن والاتحاد الأوروبي لتفتعل مشكل حقوق وحريات في تونس هي بمثابة الشجرة التي تحجب الغابة بالنظر إلى خطورة المؤامرات الخبيثة التي تطبخها هذه الحكومات عبر منظومات موازية في مقدمتها النادي الفرنكوصيهوني في باريس. والواضح أن هذا النفخ السابق لأوانه في استحقاق الانتخابات الرئاسية القادم من عواصم غربية في مقدمتها باريس يشكل مجرد إلهاء Verouillage لحجب الرهان الحقيقي وهو أجندا مكشوفة لصياغة ثورة ملونة جديدة في تونس تتداخل فيها خيوط الفوضى الخلاقة المعتادة للمنظومة الصهيونية وتراهن بالأساس على مسارات الاختراق الصهيوني المكثف الذي عرفته تونس تحت حكم تحالف الإخوان والمافيا وذلك في نطاق سعي هذه الأطراف إلى فتح بؤرة فوضى وإرهاب في شمال إفريقيا تمكن من مصادرة القرار التونسي وإعادة الجزائر الشقيقة إلى مربع الدفاع عن الذات. والواضح أيضا أن مزيج الغرور والحقد هو الذي يعمي بصيرة المنظومة الصهيونية ويمنعها من هضم جملة من الحقائق الموضوعية أهمها على الإطلاق أن تونس قطعت بقيام مسار 25 جويلية مع منظومة الخيانة . كما تقدّمت أشواطا هامة في تجفيف منابع الاختراق وربما يكون ذلك من أهم أسباب التشنج الكبير الذي تتعاطى به باريس وواشنطن مع الشأن التونسي. ومن ثمة فإن الحالة الذهنية التي تتعاطى بها هذه الأطراف مع تونس هي ذاتها التي تجعلها تمعن في إبادة الشعب الفلسطيني وسحل الطلبة في حرم الجامعات الأمريكية والفرنسية لأنها تنبثق عن التفاعل بين منظومات حكم تمثل خليطا من النفاق والإجرام والفساد وفقدان الرجولة ومسار انعتاق قوي وغير مسبوق للبشرية تمثل تونس إحدى منصاته الحيوية. وعلى هذا الأساس استشهد رئيس الدولة بالآية الكريمة «قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ 0لْفَلَق، مِن شَرِّ مَا خَلَق» لأن الحركة الصهيونية هي الشرّ بعينه. الأخبار