لم يكن مساء السبت الماضي يوما عاديا للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، ولا للولايات المتحدةالامريكية نفسها التي تعرف على أنّها من أعرق الديمقراطيات ولكن في الوقت نفسه بلد اغتيال الرؤساء والمرشّحين للرئاسة. ترامب هو الرئيس (السابق والمرشّح الجمهوري الحالي) السادس في تاريخ أمريكا الذي ينجو من محاولة اغتيال، بينما لم يحالف الحظ 4 آخرين تمّ اغتيالهم عبر التاريخ، وهو بالتالي محظوظ جدّا من ناحيتين. فمن جهة منح ترامب حياة جديدة عندما نجا بأعجوبة من طلقات الشاب الذي عبّر قبل الإقدام على فعلته أنّه يكره الجمهوريين وترامب على حد سواء، ولو لا سنتيمترات قليلة وقلة خبرة الشاب في القنص لأرداه قتيلا وطوى صفحته من الحياة. ومن جهة أخرى فإن نجاته من هذا الاغتيال، سيكون عاملا مؤثرا في طريقه نحو العود الى البيت الابيض في نوفمبر المقبل، حتى أن بعض الأثرياء الكبار والمؤثرين تهافتوا بعد الحادثة على إعلان دعمهم لترامب الذي بدأ في استثمار الحادثة كأحسن استثمار سياسي ومادي. السؤال الآن هو من المستفيد من محاولة الاغتيال هذه؟ هل هي حادثة فردية معزولة ؟ أم أن هناك أطراف داخلية معادية أو داعمة لترامب من تقف وراء محاولة الاغتيال؟ أم أنّها أطراف خارجية؟ إذا كانت الحادثة تصرّف فردي من شاب تحمّس كثيرا في كرهه للجمهوريين ومرشّحهم دونالد ترامب، وهذه فرضية مرجّحة، فإن الأمر سيقف عند هذا الحدّ وقد حالف ترامب الحظ ونجا بحياته، لكن يبقى اللغز هنا في مدى تقصير الخدمة السرّية في تأمين تجمّع ترامب الانتخابي. أما إذا كان حادثا مدبّرا، فهو أمر معقّد جدا، فمثلا لماذا يخاطر الداعمون لترامب بالقيام بهذه المقامرة الكبيرة لحشد الدعم والناخبين لصالح المرشّح الجمهوري؟ وإذا كان الديمقراطيون وراء ذلك فلماذا يمنحون هديّة من السماء لترامب؟ الفرضية الأخرى هي الدولة العميقة، والتي عادة عندما تصل الأمور الى مرحلة حرجة في حياة الدولة والشعب (أغلب الامريكيين يتوقّعون حربا أهلية السنوات المقبلة) تقوم بعملية لخلط الأوراق وإعادة ترتيب الامور، وهذه فرضية مرجّحة بقوة أيضا. في المقابل يبدو وقوف طرف خارجي وراء الحادثة أمر مستبعد لحدّ ما، نظرا لكون الأمر يتعلّق بأمريكا ومن الصعب أن يكون التدخّل الخارجي بهذه الطريقة أمرا سهل المنال، وثانيا لأن منفّذ محاولة الاغتيال لا تحوم حوله شبهات الارتباط بأطراف خارجية. أمريكا وديمقراطيتها التي بنتها على جماجم الآخرين سواء داخليا أو خارجيا ، تمرّ اليوم بمرحلة حرجة، وبغضّ النظر عن طبيعة الحادثة ومن يقف وراءها، فإن محاولة الاغتيال الفاشلة تعبّر عن مدى الانقسام الذي وصلت إليها الولايات المتّحدة وهو عيّنة صغيرة عما يمكن أن يحدث في المستقبل في ظلّ الوضع السياسي والمجتمعي المشحون داخليا والتحدّيات الخارجية الجمّة. وكان الأمر ليكون ذا تداعيات كارثية لو تمّ اغتيال المرشّح الجمهوري دونالد ترامب، والكل يتذكّر حادثة اقتحام الكابيتول بعد خسارة الاخير لانتخابات الرئاسة فما بالك إذا تمّ اغتياله في هذا الظرف الحسّاس وقبل 3 أشهر من الانتخابات الرئاسية. أمريكا تتقهقر داخليا وخارجيا، وهذا الأمر لم يعد نسبيا بل أصبح ظاهرا للعيان، وخاصة للأعداء والمنافسين وحتى للحلفاء الذين يتخوّفون من عودة ترامب لسدّة الحكم وهو الذي يخالفهم الرأي في كل شيء تقريبا ويبتزّهم ويهدّدهم أحيانا أخرى. بدرالدّين السّيّاري