بعد طول انتظار، ردّ حزب الله اللبناني على استشهاد فؤاد شكر أحد قادته العسكريين الذين اغتاله الكيان الصهيوني يوم 30 جويلية الماضي، عبر شنّ هجوم واسع بالمسيّرات والصواريخ اختلفت الآراء حول فعاليته. كلا الطرفين-حزب الله والكيان الصهيوني- سارعا الى تقديم روايتهما حول الهجوم، فبينما تحدّث الاحتلال عن إفشال هجوم قبل نصف ساعة من حدوثه، تحدّث حزب الله بثقة عن تحقيق الهجوم أهدافه بدقّة وأرسى قواعد اشتباك جديدة للحزب اليد العليا فيها. بعيدا عن رواية الطّرفين بدا واضحا أن كلاهما لا يريد خروج الأمور على السيطرة وتحوّلها الى مواجهة شاملة تصل الى حرب اقليمية شيئا فشيئا، خاصة في ظل عدم رغبة الجميع في الوصول إلى تلك المرحلة. بدا واضحا أيضا أن كلا الطرفين تطغى على مواجهتهما الحسابات، سواء الداخلية أو الخارجية، خاصّة أن التصعيد وصل مرحلة حرجة قد يخرج عن السيطرة في أي لحظة وسيكون الجميع خاسرا فيه. وبالفعل فقد قال ديبلوماسيون لوكالة "رويترز" إن الجانبين-حزب الله والكيان المحتل- تبادلا رسائل مفادها أن أيا منهما لا يريد مزيدا من التصعيد، وركزت الرسائل على أن الاشتباك قد تم وانتهى. بالنسبة لحزب الله وهو الطرف المتضرّر و"صاحب الحق" في الردّ على اغتيال فؤاد شكر، بدا جليّا أنّه يحسب حساباته جيّدا وفق استراتيجيا دقيقة تقوم على عدم الدخول في حرب شاملة دون منح الاحتلال تفوّقا أو ترسيخ قواعد اشتباك وردع لصالحه. كما يتحرّك الحزب وفق حسابات داخلية وخارجية مضبوطة، يحافظ فيها على سلامة وأمن لبنان وشعبيته من جهة، ومن جهة أخرى لا يريد فتح أبواب حرب اقليمية غير محسوبة العواقب بالإضافة الى منح فرصة للمفاوضات الجارية حول وقف الحرب في قطاع غزة. ففي ظلّ الوضع الاقتصادي والسياسي والأمني الصعب في لبنان، لا يريد الحزب اضافة أزمة أخرى في شكل حرب مدمّرة ستجلب مأساة كبيرة في كل الأحوال وستكون هديّة لنتنياهو وحكومته المتطرّفة التي طالما هدّدت بإرجاع لبنان الى "العصر الحجري". ينطلق الحزب إذن في صراعه مع الاحتلال من بوابة المصلحة الوطنية قبل الحزبية والاقليمية، ويراعي في ذلك الوضع المعقّد الذي تعيشه البلاد ووبال المواجهة مع احتلال مجرم لا أخلاق له ولا مواثيق أو قوانين تردعه. أمّا الحسابات الخارجية والاقليمية للحزب، فتقوم أساسا على ردع الاحتلال وترسيخ قواعد اشتباك دون الدخول في مواجهة شاملة، حيث يريد الحزب أن يظلّ صاحب اليد العليا ومصدر رعب واستنفار للكيان الصهيوني. كما أنّه يعرف جيّدا أن مواجهة شاملة أو حربا اقليمية لن تكون في صالحه ولا في صالح القضية الفلسطينية وحرب الابادة على قطاع غزّة، باعتبار أن الدخول في مواجهة شاملة يعني آليا مواجهة الكيان الصهيوني والناتو معا بكلّ ذلك التفوّق العسكري والاستخباري واللوجستي. هو خيط رفيع إذن بين الحفاظ على قوّة الرّدع وقواعد اشتباك محدّدة وبين الدخول في مواجهة شاملة تؤدي الى حرب اقليمية، لذلك يرسم حزب الله تحرّكاته وعملياته العسكرية ضدّ الاحتلال بحسابات دقيقة وبتكتيك منضبط وحكمة عالية. بدرالدّين السّيّاري