تسببت التغيرات المناخية وغياب الأمطار والجفاف خلال السنوات الأخيرة، في تقلص مساحات المراعي وارتفاع أسعار العلف وبيعه في السوق الموازية، خاصة في الولايات الداخلية المعروفة بارتكاز نشاط اقتصادها أساساً على الفلاحة وتربية الماشية، ما دفع مربي المواشي للتخلي عن قطعانهم ببيعها، وسط ضعف الحلول التي تساعدهم على مجابهة هذه التحديات. وشهدت تونس مواسم جفاف متتالية خلال السنوات الأخيرة، قلّصت مساحات الأراضي الفلاحية في عموم البلاد لنسبة تصل في بعض المناطق إلى 40%، وسبب تراجع مخزون السدود من المياه، ما أثر على التزويد الغذائي ومصادر عيش الكثير من الفلاحين ومربي المواشي. مؤشرات دليلية ليس هنالك إحصائيات دقيقة لتطور عدد قطيع الماشية خلال السنوات الأخيرة، لكن بعض المعطيات تشير الى أن القطيع لا يمكن حصره بسبب عدم تعريفه أو ترقيمه ولأنه متحرك. وتعتمد خلايا الإرشاد الفلاحي على بطاقات التلقيح المُعتمدة من الأطباء البيطريين، والتي تستطيع حصر من 70 إلى 80% فقط من رؤوس المجترات (أبقار وأغنام وماعز) لمعرفة عدد القطيع. أكد مدير وحدة الإنتاج الفلاحي بالاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري منور الصغيري، أن خسائر مربي الأبقار الحلوب بلغت 3 مليار دينار بين 2020 و2023، مبرزا أن هذه الخسائر ناجمة عن الفارق بين سعر الكلفة وسعر البيع. واستعرض المسؤول خلال لقاء انتظم هذا الاسبوع بمقر الاتحاد بالعاصمة وتناول موضوع تنمية قطاع تربية الماشية في تونس: حلقة الانتاج محور التنظيم المستدام لسلاسل قيم الألبان واللحوم الحمراء، تأثير هذه الخسائر على مستقبل القطاع وعدم قدرة المربين على تحمل الأضرار المالية الناتجة عن ذلك. وحذر في هذا الصدد، من أن تجعل هذه الخسائر المربين يفرطون في مهنتهم، وتابع الانتاج الوطني للحوم الأبقار /وحدة أنثوية (كلغ)، هو حاليا في أدنى مستوى، إذ بلغ حدود 103 كلغ في سنة 2023، في حين أننا قادرون على تحقيق انتاج ب 150 كلغ وحدة أنثوية، حسب قوله. وأوضح أن تراجع الانتاج يمكن أن يفسر الارتفاع الذي تشهده أسعار اللحوم الحمراء وبالتالي العزوف على استهلاكها، واللجوء إلى اللحوم البيضاء. آفاق تطوير القطاع لا يتجاوز الاستهلاك الوطني من اللحوم الحمراء والبيضاء 40 كلغ في السنة للفرد الواحد، بينما متوسط الاستهلاك العالمي هو 60 كلغ، مما قد يؤثر على صحة المواطنين. وفي حديثه عن الصعوبات الهيكلية التي تواجه قطاع تربية الماشية اليوم، أشار مدير وحدة الإنتاج الفلاحي، إلى مخاطر داخلية مثل الإجهاد المائي والتغير المناخي والأمراض الناشئة والمخاطر الخارجية، بالإضافة إلى عدم توفر المواد الأولية بشكل كاف مع ارتفاع أسعارها في السوق الدولية، فضلا عن الصراعات الجيوسياسية. وأبرز الصغيري أن هذه الصعوبات يمكن أن تتفاقم في غياب سياسة تقاسم المخاطر في القطاع، معربا عن أسفه لعدم تقاسم الدولة المخاطر بشكل كاف مع الفلاحين ومختلف الفاعلين في القطاع. وللتذكير فإن قطاع تربية الماشية يساهم بنسبة 35% من الناتج المحلي الإجمالي الفلاحي بتونس. وفي سنة 2022، ارتفع عدد مربي الماشية إلى 112 ألف مرب، في حين وصل عدد مربي المجترات الصغيرة إلى 274 ألف مرب، وفق إحصائيات ديوان تربية الماشية وتوفير المرعى. تعديل السوق كشف مؤخرا المدير العام لديوان تربية الماشية وتوفير المرعى والمكلف بتسيير الادارة العامة للإنتاج الفلاحي بوزارة الفلاحة عز الدين شلغاف عن زراعة 950 ألف هكتار من الحبوب ووجود قرابة 120 ألف طن من مادة الأمونتير الموجهة لقطاع الزراعات الكبرى مبينا ان الامطار الاخيرة ستزيد الطلب على مادة الامونيتر الزراعي لكن يوجد كميات بالمخازن بمنطقة قبلاط وكذلك لدى وحدات المجمع الكيميائي التونسي بقابس مؤكدا أن الأمر يتصل بسلاسة التنقل لتوفير هذه المادة وان الوزارة تعمل على إيجاد حلول للملفات على غرار الأسمدة. ويقدر ديوان تربية الماشية وتوفير المرعى عدد رؤوس الأغنام والماعز في تونس في آخر تحديث لسنة 2021 بنحو 5 ملايين رأس أنثى، في حين يبلغ عدد رؤوس الأبقار قرابة 410 ألف رأس أنثى.