يحتار المرء في توصيف هذا الزمن العربي الرديء.. فلو قلنا إنه زمن العجز العربي فإن العجر سينتفض ويتبرّأ من عرب هذا الزمان. ولو قلنا إنه زمن التخاذل العربي لثار التخاذل وانكر أي صلة له بالعرب. ولو قلنا إنه زمن العهر لاستظهر العهر بشهادة شرف تبرئه من أي علاقة بالعرب؟ فأي زمن هو هذا الزمن العربي الذي نعيش؟ وأي صفات تصلح لاختزال الراهن العربي وما يشقّ الأمّة من أحداث توشك أن تلقي بها جثة هامدة تحت أقدام نتنياهو؟ فلقد مررنا من زمن العجز والتخاذل إلى زمن مسخ ملطخ بالتواطؤ مع الاعداء والخيانة والتآمر على قضايانا وعلى بعضنا البعض.. أصبح ذلك الزمن الذي كنا نصف فيه النظام الرسمي العربي بالعجز وهو يكتفي باصدار بيانات الشجب والادانة زمنا مضيئا مشرقا.. على الأقل كان النظام الرسمي العربي يقول للفلسطينيين: اذهبوا أنتم وشبابكم فقاتلوا إنّا هاهنا قاعدون. أما بعض عرب هذا الزمان فلم يكفهم القعود والعجز.. ولم يكفهم خذلان اخوة لنا في الدم وفي القضية.. ولم يكفهم الاستقالة المطلقة من أي شيء يذكرهم بما كان يوصف بقضية العرب الأولى وكذلك من أي شيء فيه علاقة بالتضامن العربي المشترك وبالأمن العربي.. لم يكفهم كل هذا فراحوا يساندون العدو ويدعمونه بتطبيع العلاقات معه وبالمال وبالسلاح ويشحنونه بالتحريض ليعمل تقتيلا وتدميرا وإبادة في أبناء الشعب الفلسطيني في غزة وفي الضفة الغربية.. ويوغل في سياسات تهويد القدس وهي أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.. لكن المهزلة والمأساة لا تتوقفان عند هذا الحد. بل إن العرب أظهروا قدرات عالية في المزايدة على الخيانة ذاتها وفي التآمر حتى على وجودهم.. ففي حين يغدقون على نتنياهو بالمال والسلاح وبالغذاء والدواء ويشحنونه شحنا لمواصلة حربه القذرة على أبناء قطاع غزة وحرمانهم حتى من لقمة الغذاء وجرعة الدواء لا يجد هذا الارهابي حرجا في الصراخ بأنه ذاهب لإقامة ما يسميه «اسرائيل الكبرى».. وذلك وفق تكليف الهي هبط عليه في لحظة زهو وغرور وزيّن له أن المنطقة العربية برمتها قد «نضجت وحان قطافها» وأن «اسرائيل الكبرى» أصبحت على مرمى حجر بعد أن دمّر غزة ويهدّد بتهجير سكانها وسكان الضفة... وبعد ان استباح الجنوب اللبناني وتآمر على سوريا فأوقعها على ركبتيها خاضعة راكعة لمشرط التقسيم. لم يكتف نتنياهو بفظاعاته هذه بل راح يعلن جهارا نهارا أن «اسرائيل الكبرى» التي يمضي في تحقيقها بأموال وأسلحة خليجية وبتحريض من بعض العرب تضم كذلك أجزاء من مصر والأردن.. فيما يخاتل لاخفاء ورقته الأخيرة بخصوص ضم أجزاء من المملكة العربية السعودية لما سمّاه «اسرائيل الكبرى».. وبذلك تكتمل الصورة التي رسمتها وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس بعد غزو العراق واحتلاله حين قالت بأن كرة النار سوف تتدحرج باتجاه سوريا والسودان وليبيا والسعودية لتكون مصر بمثابة الجائزة الكبرى.. بعبارة أخرى فإن نتنياهو لم ينم ويصحو ليطلع علينا بهذا المخطط الجهنمي. بل ان المخطّط مطبوخ على نار هادئة بين عتاة الصهيونية العالمية ورموز المسيحيين المتصهينيين الذين يلتقون حول ضرورة قيام اسرائيل الكبرى تمهيدا لعودة المسيح وفق معتقداتهم.. لذلك فإن أمريكا وهي الشريكة في المخطط لا تملك إلا أن تسير خلف نتنياهو وهو يدمّر دول الشرق الأوسط حجرا بعد حجر لتهيئة مناخات قيام اسرائيل الكبرى وكل هذا يطرح سؤالا جوهريا مفاده: هل ان العرب الذين يدعمون الكيان الصهيوني في حربه على غزة ويدعمون تحرشه بلبنان وبمصر وبالأردن مدركون أن دورهم سيأتي وأن يد نتنياهو سوف تطالهم وان كل الخيانات وكل التخاذل لن تشفع لهم؟ سؤال يلد سؤالا اخر يبقى مطروحا برسم بعض الشعوب العربية مفاده: هل أن هؤلاء الحكام هم عرب دما وانتماء أم أنهم أعداء بجلابيب عربية؟ عبد الحميد الرياحي