عاجل/ ولاية تونس توجه تنابيه لهؤلاء..    هام/ هذه الدول الأكثر طلبًا للكفاءات التونسيّة والمهن المطلوبة..    الحماية المدنية : 130 تدخلا لإطفاء حرائق خلال الأربع والعشرين ساعة الأخيرة    نجاح 21 تلميذا من أبناء قرى الأطفال "أس و أس" في دورة المراقبة لباكالوريا 2025    بعد العاصفة الرملية التي شهدتها توزر وقبلي: معهد الرصد الجوي يكشف التفاصيل..#خبر_عاجل    عاجل/ ترامب يتوعد باعلان مهم الاثنين المقبل..وهذه التفاصيل..    كأس العالم للأندية 2025: صراع محتدم على الحذاء الذهبي قبل االمباراة النهائية    مانشستر يونايتد يتعاقد مع المهاجم الفرنسي إنزو كانا    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    أكثر من 25 بالمائة من الناجحين من شعبة البكالوريا رياضيات يتحصّلون على ملاحظة حسن جدّا    هام/ نسب النجاح في دورتي البكالوريا حسب الولايات..    قوة إسرائيلية تتسلل داخل الأراضي اللبنانية وتنفذ عملية تفجير    طيران الإمارات تتصدر تصنيف YouGov لأكثر العلامات التجارية العالمية الموصى بها لعام 2025    الناطق باسم محاكم قرمبالية: خبر اطلاق أسراب من النحل على مدعويين في حفل زفاف غير صحيح    أزمة ديون جديدة تهدد انطلاقة النادي الإفريقي قبل موسم 2025-2026    النادي الصفاقسي: تعزيز جديد في صفوف الفريق    إنتقالات: لاعب نادي بورتو البرتغالي على رادار الترجي الرياضي    دوري روشن السعودي: نادي الحزم يجدد ثقته في "جلال القادري"    4 سنوات سجن في حق رجل الأعمال لزهر سطا وخطية تفوق 5 ملايين دينار    عاجل: صدور حكم بالسجن سنة مع وقف التنفيذ ضد نجل فنان مشهور    القهوة باش تغلى؟ البرازيل في وجه العاصفة وترامب السبب    سبعيني يكسّر القاعدة وينجح في الباك... قصة ما تتعاودش!    بعد وضع اسمه في أفيش لسهرة بمهرجان قرطاج: مقداد السهيلي...أنا وين سي علاء!!!    كفاش تحمي صغارك من شمس الصيف؟ نصائح ذهبية من أطباء الأطفال    برد الكليماتيزور يداوي ولا يضر؟ طبيبة توضّح شنو يلزمك تعمل    السخانة باش ترجع في الويكاند؟    باكستان.. مقتل 9 ركاب حافلة بعد اختطافهم من قبل مسلحين    حزب العمال الكردستاني يبدأ تسليم سلاحه    مقتل 150 مسلحاً في كمين للجيش النيجيري    لأول مرة منذ تأسيسه مهرجان قرطاج الدولي 2025 دون مدير فني    مهرجان قرطاج الدولي..دورة تحتفي بالفن وتنصت للقضية الفلسطينية [فيديو]    ترتيب المندوبيات الجهوية للتربية حسب نسب النجاح في امتحانات الباكالوريا 2025 عمومي    لطيفة تطرح 4 أغاني من ألبومها "قلبي ارتاح"    مقداد السهيلي: أنا ما نيش هاوي وإلا جيت لبارح باش نوري وجهي ونستنى باش يشجعني الجمهور    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    خطبة الجمعة: ولا تنازعوا فتفشلوا ...    الحذرَ الحذرَ، فوالله لقد ستر حتى كأنه قد غفر: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً    مع الشروق : الانتقال الطاقي يحتاج سرعة التنفيذ وليس الدراسات واللجان    تتسبب في ٪80 من الأمراض: 170 كلغ معجّنات لكل تونسي... سنويا    عاجل: من 20 إلى 90 دينار: تذاكر مهرجان قرطاج تثير الجدل من جديد    منظمة الصحة العالمية تمنح رئيس الجمهورية درع الاتفاقية الدولية للوقاية من الجوائح..    الليلة: خلايا رعدية وأمطار مع تساقط محلي للبرد    تونس على خط السلام الأممي: حماية المدنيين أولوية إنسانية وأخلاقية    المحلل المالي معز حديدان: كلفة دعم الخبز تكفي لبناء 4 مستشفيات جامعية سنويا    سعيد يأمر باتخاذ إجراءات عاجلة للحد من الاعتداء السافر على البيئة وحماية الشريط الساحلي    أنيسيموفا تتأهل لنهائي ويمبلدون بفوز مثير على سبالينكا    نسبة النجاح العامة في الدورتين الرئيسية والمراقبة لبكالوريا 2025 تبلغ 52.59 بالمائة    بنزرت: حملات رقابية ليليلة للحد من مظاهر الانتصاب الفوضوي وإستغلال الطريق العام ببنزرت المدينة    إختتام مشروع تعزيز الآلية الوطنية لتأطير الصحة الحيوانية البيطرية بتونس    الموت في لحظة غفلة: السباحة الليلية تودي بحياة مراهق في بن قردان    عاجل: فيفا تُصدر تصنيف جويلية 2025...تعرف على مرتبة تونس عالميا وافريقيا    قبلي : تواصل قبول الأعمال المشاركة في الدورة الرابعة من مسابقة "مسابقة بيوتنا تقاسيم وكلمات"    عاجل/ استئناف التزود باللحوم الحمراء المبردة والموردة..وهكذا ستكون الأسعار..    الديوان الوطني للأعلاف: شراء 50 ألف طن من مادة الذرة العلفية الموردة    التوانسة الليلة على موعد مع ''قمر الغزال'': ماتفوّتش الفرصة    أسبوع الباب المفتوح لفائدة التونسيين المقيمين بالخارج بمقر وكالة النهوض بالاستثمارات الفلاحية    عاجل: قيس سعيّد يُحذّر : مهرجانات تونس ليست للبيع بل منابر للحرية والفكر    شنية سرّ السخانة في جويلية.. بالرغم الي أحنا بعاد على الشمس؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هذا التراث الآسر: صفو الزمان وكدره (2/2):احميدة النيفر
نشر في الفجر نيوز يوم 08 - 04 - 2010

حين لم يعد الزمن الماضي هو عين الهوية, وحين غدت هذه الأخيرة تقوى بالعمل في الحاضر ضمن رؤية مستقبلية للعالَم أمكن للخطاب القرآني أن يبدع وعيا عربيا جديدا منفتحا على التجارب الإنسانية. عندئذ انبثق الحاضر والمستقبل زمنين جديدين أنهيا الصلة مع الذات المنكفئة على نفسها المعادية لكل ما عاداها بما شكّل هوية منفتحة ومتألقة بهذا التجدد.
في تلك الدورة الحضارية التي شهدتها الجزيرة العربية لم يهمل التراث القديم بل تحدد له من خلال الوعي الجديد منهج تعامل مختلف نوعيا يمكن أن يحدد في النقاط التالية:
أ- الماضي إبداع بشري نسبي استدعاه تمثل الإنسان لوظيفته الأساسية, وظيفة الاستخلاف في الأرض. فالقيمة الأهم في تلك الوظيفة هي في ذلك الإبداع الناشئ عن تفاعل الإنسان مع قضاياه الحادثة وقتها.
ب- التحيز للتراث أو ضده لا يمكن أن يفضي إلا إلى تقلص الوعي الذاتي وإلى تراجع مفهوم التطور بإلغاء تعددية الزمن، وهو الإلغاء المؤدي إلى رؤية عدمية للحياة والتاريخ في حين أن الأجدى هو انفتاح على إبداع الإنسان وكشوفه أياً كان زمانه عبر عملية المثاقفة.
ج- إذا كان كل تراث إبداعا قائما على وعي ذاتي مناسب له فإنه يستدعي إبداعا جديدا أي حداثة مناسبة له, بذلك يكون كل تراث حاملا في طياته بذور تطويره وتجاوزه, مما يؤدي إلى حداثة جديدة تتحول إلى موروث بمرور الوقت متميز عن التراث الأقدم, لكنه يظل ناطقا بروح الثقافة الأصلية.
انطلاقاً من هذه النقاط الثلاث تصبح المقاربة القرآنية للتراث القديم في عصر التأسيس ذات دلالة ثلاثية الأبعاد: مكانة جديدة للإنسان في الكون, ورؤية ديناميكية للزمن, وانفتاح على الثقافات والتجارب من أجل عمل تأسيسي متواصل. هذا المنهج التركيبي- التاريخي قدم للعرب والعجم طوال القرون الأولى للإسلام آفاقا واسعة تطور فيها تراث كل منهما. نمت الثقافة العربية حين وعت ذاتها وذوات غيرها, كذلك حصل للثقافات الأخرى التي استوعبها الخطاب القرآني إلى درجة أنه أصبح من العسير الفصل الكامل في التراث العربي الإسلامي بين ما هو فارسي ويوناني وهندي.
ثم عندما ذوت جذوة هذا المنهج المتميز حضاريا ضاق الناس ذرعا بأنفسهم وزمانهم، عندها ضاقوا بالاختلاف والتنوع فلم يروا فيه جدوى أو ثراء. عندئذ كتب الطرطوشي (ت 520 ه) ينعى لحظته التاريخية وصيرورتها: "الموت اليوم تحفة لكل مسلم. كأن الخير أصبح خاملا والشر أصبح ناظرا وكأن العقل أصبح مدفوعا والجهل منثورا... اليوم ذهب صفو الزمان وبقي كدره".
يبقى سؤال التراث قائما يبحث عن عوامل التحكم في المكونات النفسية للواقع وفي آليات التفكير وفي القيم المرجعية وصلتها بالعلاقات الاجتماعية والسياسية. هذه المعرفة هي وحدها القادرة على تأسيس بدائل مرتبطة بإحداثيات العصر.
بهذا جاز طرح السؤال المنهجي التالي: كيف تكون دراسة التراث طريقا للوعي الجديد المتحرر من الانحطاط والرافض لمحاكاة الآخر؟
للإجابة يجب التذكير بأن مثل هذا السؤال ما كان ليطرح فكريا قبل منتصف السبعينيات من القرن المنصرم, فقد ظل الفكر العربي في المشرق والمغرب منذ الثلاثينيات أسير اختيارات ومواقف لا تتحرج من التنظير -بأشكال متفاوتة- لمقولة أن التراث مصدر من مصادر التخلف العربي الإسلامي. لذلك لو اخترنا اسما واحدا رامزا -من بين أسماء عديدة- إلى طبيعة التطور الذي عرفه فكرنا العربي بخصوص قضية التراث لاخترنا دون تردد الدكتور زكي نجيب محمود. هذا مفكر عربي عاد من أوروبا أواخر الأربعينيات إلى مصر مفتونا بالفلسفة الوضعية الغربية لا يأبه بالتراث العربي الإسلامي, بل يسخر منه ضمن ما سماه عام 1953 "خرافة الميتافيزيقا", ومع السنوات تهاوت قناعات المفكر الرافض للتالد المتهالك فشرع في بداية السبعينيات في مراجعات نقدية عميقة الدلالة. ظهر "تجديد الفكر العربي" ثم "المعقول واللامعقول في تراثنا" وتلاهما كتاب "ثقافتنا في مواجهة العصر". أغرب ما في أمر هذا المفكر العربي هو أن اهتداءه للتراث العربي الإسلامي كان على يد مفكر غربي هو "هربرت رييد" (Herbert Read) الذي يقول: "... لا يؤخذ التراث في أي شعب من الشعوب بالتقديس, إنما يؤخذ لما فيه من نفع في الحياة المعاصرة". من هذه الشرارة انقدح أمام الدكتور زكي نجيب محمود منطلق أساسي مفقود أتاح له التعامل النقدي مع تراث القدامى. وسواء أقلنا إن الدكتور زكي ارتد على نفسه أم أن التراث كان قائما في ذاته وواقعه لا يغادرهما لكنه ظل أبكم ينتظر منهجا يخرجه من صمته المطبق، سواء أقلنا هذا أم ذاك فإن المؤكد أن ما بلغه في المرحلة الجديدة يمثل انعطافة هامة للوعي العربي. لقد أصبح يقول: "عاودت النظر فيما كنت قرأته من مشكلات القدماء وحلولهم لأرى أيَّ تلك المشكلات يمكن أن تكون قائمة أمامنا اليوم. ثم ماذا بين هذه الحلول يظل حلولا لمشكلتنا؟".
ثم توالت الإجابات العلمية عن السؤال الإيديولوجي بعد أن جسّد الدكتور زكي هذه الحاجة المعرفية التاريخية في نموه الفكري والمنهجي.
من ثم ظهرت محاولات جادة في المغرب: عابد الجابري وعلي أومليل وهشام جعيط، وفي المشرق: فهمي جدعان وحسن حنفي وبرهان غليون. مع هؤلاء وغيرهم لم يبق مراء في أن التراث واقع موضوعي قائم يؤثر فينا وفي ترسيمة أذهاننا وبنية مجتمعاتنا ومؤسساتنا؛ لذلك فإن "حوار الذات مع التراث" أضحى اختيارا لا رجعة فيه, لكنه خيار يتطلب جهدا معرفيا ضخما وبحثا ممنهجا وحياة فكرية منفتحة ومتعددة التوجهات.
هذه المطالب الكبرى قادرة أن تغير نوعيا طبيعة العلاقات بالتراث، فعندما يتحول التراث إلى شاهد على تاريخية الحدث الفكري أي عندما يعاد فهمه على ضوء الواقع الذي أفرزه، عندئذ يبدأ الوعي بالذات فتتضح المعوقات الكبرى و«الثقوب السوداء" في البنية العاقلة والشاعرة والمجتمعية. بهذا الفهم لشروط التراث التي تعنيها المقاربة التاريخية المختلفة عن منهج القطيعة معه تظهر إمكانات عودة آليات الثقافة العربية الإسلامية للفعل من جديد. مؤدى هذا أن الحياة العربية لا تنبجس إلا إذا زالت عن المنظومات والمفاهيم الأصلية حالة التخشب التي رانت عليها منذ قرون مما جعل الحركية التاريخية المبدعة صورا تراثية ناتئة.
إن الخروج من الأزمة المعاصرة يقتضي وعيا تجديديا، به يقع تجاوز المرحلة التراثية التي طابقت بين الهوية وتجربة الماضي وبه يكون الدخول إلى العصر بفكر تاريخي يُنظَر من خلاله إلى الماضي والحاضر والمستقبل في سياق معقلن موصول.
لذلك فمعضلة رجال الفكر والثقافة اليوم في عدم تمكّنهم من ولوج التاريخ باعتماد التراث أي بتجاوزه عبر إبداع المعاني والقيم والبدائل الجديدة والمتجددة. عندها لا يبقى التراث كَلاّ أو قيدا لكنه يضحي حركة وحياة تنتهي معها إشكالية التراث. واضح أنه لا يمكن بحال طرح انبثاق التاريخ من التراث بأسلوب تجاوزي إلا إذا تناولنا أيضا هذا التساؤل بما يقتضيه هذا العصر من حتمية التفاعل والتثاقف مع الشعوب والثقافات الأخرى.
روح الزمن -كما يسميها ابن أبي الضياف، أحد المؤرخين التونسيين- هي التي جعلت العالم يعيد الاعتبار للذات بما يتعذر معه تجاهل تجارب الآخر وقيمه وطموحاته. بذلك لا تكون الهوية المعاصرة مجرد تضخم للذات وخصوصيتها الثقافية بل تضحي تفاعلاً مع هوية الآخر وتثاقفاً معه أياً كانت منطلقاته.
من هنا أمكن القول إنه إذا تعذّر اليوم في المجال الداخلي للثقافة العربية إقصاء أي عنصر من عناصر الحركية التاريخية الماضية والحاضرة عند الشروع في بناء وعي إبداعي، فإنه يتعذر تبعا لذلك في المستوى الكوني، نفيُ الآخر فكريا وثقافيا. ذلك أن تفعيل أبعاد الهوية يحتاج إلى الآخر المختلف, وهذا صحيح أكثر من أي وقت مضى، مما يجعل المماهاة التامة مع الآخر مستحيلة والمغايرة التامة معه هي الأخرى ضربا من المحال.
في نهاية المطاف يكون السؤال الختامي الذي تثيره معالجة معاصرة لقضية التراث هو: كيف تتم المشاركة في سياق كوني عبر استيعاب أفضل للموروث الثقافي الخاص؟ بعبارة أخرى: هل يمكن للعرب والمسلمين أن يبدعوا مفهوما للحداثة لا يكون قاطعا مع انتمائهم الثقافي؟
الإجابة عن هذا التحدي ممكنة إذا كان الرهان الثقافي قائما على الوعي بالذات والحرية وتقدير قيمة الاختلاف.
العرب
2010-04-08


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.