تعكس ديناميكية السفار التونسية في بيكين بالتوازي مع النسق التصاعدي لتبادل الوفود العزم الثابت على ترسيخ الشراكة الإستراتيجية بين تونسوالصين. والواضح أن هذه الشراكة بالذات تفتح مساحات شاسعة أمام الشعب التونسي كفيلة بتحويل القدرات الخامدة في عديد القطاعات إلى منجزات راسخة ستدخل حتما تغييرا جذريا على الأوضاع الإقتصادية والمعيشية بالنظر إلى خصوصية العلاقة مع الصين التي تجسد بالفعل مبدأ «الإزدهار المشترك». والواضح أيضا أن رصيد الثقة والمصداقية المتبادلة بين تونس وبيكين يمثل أرضية صلبة الإنطلاق نحو أفق جديد يجسد دوافع وغايات الإعلان المشترك المنبثق عن زيارة الدولة التي كان أداها الرئيس قيس سعيد إلى بيكين في 2023 وذلك من خلال تقوية الروابط الثقافية والتشاور السياسي الذين لا محيد عنهما لبناء شراكة اقتصادية راسخة. وعلى هذا الأساس أصبحت العلاقات التونسيةالصينية في حاجة إلى هيكلة جديدة يمكن أن تتخذ شكل المجلس الأعلى للتعاون الإستراتيجي باعتباره الإطار الأمثل لصياغة التصورات المشتركة التي تجسد مبدأ تبادل المنافع في بعده الإستراتيجي الذي يقرن بين الاحتياجات الوطنية لكلا البلدين وبين الدور الحيوي الذي تضطلع به كل من تونس وبيكين في الدفع نحو نظام اقتصادي عالمي عادل يضمن بالفعل مبدأ تكافؤ الفرص وتوازن المصالح بين سائر دول المعمورة وهو دور رسخته محطات مفصلية في التاريخ الحديث ولاسيما المكانة الفاعلة للبلدين في مجموعة دول عدم الإنحياز التي تمثل المرجعية التاريخية للتحولات الراهنة التي تؤكد بكل وضوح تنامي تأثير دول ما يسمى الجنوب العالمي في العلاقات الدولية وتزايد جاذبيّة مبادرة «الحزام والطريق» الصينية التي تمثل بكل مقاييس ملاذا للبشرية من الهيمنة الاقتصادية والثقافية الغربية التي تمثل السبب الجوهري لمعضلات الفقر والهجرة والإرهاب والحروب في العديد من مناطق العالم. والواضح في هذا الصدد أن تمسك تونس باستقلالية قرارها الوطني يمنحها أسبقية هامة لتكفل تحصيل أكبر قدر من المنافع من الشراكة الإقتصادية مع الصين التي تمتلك مفاتيح العديد من الأسواق ولاسيما إفريقيا جنوب الصحراء وأمريكا الجنوبية كما تؤمن بمبدأ «الإزدهار المشترك» وهو ما يلائم تطلعات تونس إلى امتلاك التكنولوجيا المتطورة لتحقيق الانتقال من الاقتصادي الربعي إلى اقتصاد المحتوى الكفيل لوحده بتثمين نقاط القوة التي تتمتع بها تونس ولاسيما الطاقة البشرية والموقع الجغرافي الإستراتيجي الذي يمثل نقطة ربط مفصلية بين الشمال والجنوب وبين الشرق والغرب. ولكن هذه الرهانات الإستراتيجية تفرض على الحكومة بكل مكوناتها معاضدة الديناميكية الدبلوماسية من خلال خطوات لم تعد تتحمل التعجيل مثل الربط الجوي المباشر بين تونس وبيكين والانطلاق في تنفيذ مشاريع شراكة نموذجية في عدة ميادين منها صناعة الأدوية والتلاقيح والسيارات الكهربائية وذلك بالتوازي مع وضع إطار جديد للتبادل التجاري يسهل نفاذ الصادرات التونسية إلى السوق الصينية خصوصا وأن بيكين كانت عبرت عن استعدادها لإعفاء سلع الدول الإفريقية من الرسوم الجمركية. كما تتحمل الحكومة مسؤولية إعادة الروح لقطاعات الإنتاج في الصناعة والفلاحة حتى يتوفر فائض إنتاج مستديم يمكن تونس من استغلال فرص التصدير الكبيرة التي تتيحها الشراكة الإستراتيجية مع الصين .