بدأت نذر انفجار القنبلة الموقوتة المتمثلة في «التقسيم وإعادة التشكيل» التي يشتغل عليها الحليفان الأمريكي والصهيوني منذ عقود تتواتر لتصبح أكثر وضوحا وأشد خطرا.. لأنها ان انفجرت أو فجّرت سوف تعصف بالجميع ولن ينجو من شرورها أحد.. حتى الأطراف التي تلهث وراء تفجيرها معتقدة أنها تسيء لهذه الدولة أو تلك ومتناسية ان «مقومات» التقسيم موجودة حتى صلب العائلة الواحدة فما بالك حين يتعلق الأمر بمجتمعات ذات نسيج مختلط ومتنوع ومتداخل وبدول تتشكل من عرقيات واثنيات مختلفة صهرها الاسلام ووحّد بينها قبل أن تهبّ عليها رياح «التقسيم وإعادة التشكيل». والواقع أن مؤامرة «التقسيم وإعادة التشكيل» بغية إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط والمنطقة العربية عموما على أسس عرقية ومذهبية وعشائرية ليست جديدة. فقد نظّر لها السياسي والفيلسوف الأمريكي «برنارد لويس» (وهو بالمناسبة يهودي بريطاني) منذ سنة 1950.. وظلت مطابخ السياسة الأمريكية والصهيونية تشتغل عليها وتهيئ لها ظروف تحققها على أرض الواقع. ومنذ غزو العراق (2003) واسقاط قيادته وتدمير مؤسساته واخضاعه لاحتلال مباشر ألبس لبوس «تحرير من الدكتاتورية وبناء للديمقراطية» منذ ذلك التاريخ صار معلنا أن تنفيذ ما يسمى «الشرق الأوسط الجديد» قد بدأ.. وأن كرة النار سوف تتدحرج إلى كامل دول الشرق الأوسط ومنها إلى دول شمال افريقيا.. وقد أعلنت وزيرة خارجية أمريكا كوندوليزا رايس (سنة 2006) جهارا نهارا وفي لحظة زهو وانتشاء بنجاح غزو العراق أن كرة النار سوف تتدحرج إلى سوريا والسودان والصومال وليبيا والسعودية لتكون مصر «الجائزة الكبرى».. ومنذ ذلك التاريخ انطلقت آلة الخراب الأمريكية الصهيونية في اشعال الحرائق وايقاظ الفتن وتفجير الحروب والصراعات وهو ما أفضى إلى إسقاط أنظمة وتحطيم جيوش واغراق دول في الاقتتال والفوضى. وتكفي نظرة تأمل في ما جرى في سوريا والصومال واليمن، وليبيا وما يجري في السودان لندرك حجم الكارثة التي حلت بالمنطقة العربية. ولنقتنع بأن نظرية «التقسيم وإعادة التشكيل» ليست مجرّد أدبيات للتسلية، بل هي تأسيس لسياسات وتخطيط للاستراتيجيات ورسم لخرائط جديدة وهندسة لقيام دويلات قزمية على أسس عرقية ومذهبية وطائفية تكون صغيرة وهزيلة وضعيفة وتتهافت على الدوران في فلك الكيان الصهيوني وعلى تقديم آيات الولاء والطاعة للامبراطورية الأمريكية. هذا الاختراق الكبير الذي حققته نظرية «برنارد لويس» ونجاحها في تحطيم دول وفرض تقسيمات جديدة على الميدان أحالت وحدة الدول على المعاش وحوّلتها إلى شظايا تتمترس خلف الطائفة والعشيرة والعرق والمذهب شجّع نتنياهو على التقاط اللحظة والمضي نحو «تغيير خارطة الشرق الأوسط» برمتها كما أعلن ذلك من أعلى منبر الأممالمتحدة عندما استظهر بتلك الخريطة التي رسم فيها مناطق الظلمة والسواد التي سوف يكتسحها والتي تشمل منطقتنا العربية حتى إيران وهو تمش يحظى بالدعم التام والموافقة المطلقة من الادارة الأمريكية .. حيث أردف المبعوث الأمريكي إلى لبنان «طوم برّاك» قائلا أن الحدود التي رسمها اتفاق «سايكس بيكو» بين الامبراطوريتين الفرنسية والبريطانية قد انتهت صلوحيتها وأن المنطقة باتت تحتاج إلى رسم حدود جديدة.. ويمضي في شرح نظريته ليقول أن دول الشرق الأوسط ليست دولا ولا تمتلك المقومات التي تجعل منها دولا، بل هي كيانات قائمة على العشائر القبائل وهذه الأخيرة منتشرة في أكثر من دولة بما يستوجب إعادة رسم خرائط الدول وفقا لتوزع هذه العشائر والقبائل. ووفقا لهذه التوجهات والاستراتيجيات الأمريكية والصهيونية ووفقا لما تحدثه من زلازل وما تشعله من فتن عرقية وطائفية في منطقتنا العربية هل يعتقد طرف عربي أنه في مأمن من شرور هذه الخطط الجهنمية؟ وهل تعتقد دولة واحدة أنها في مأمن من ألسنة اللهب التي تفجرها نيران الفتن العرقية والطائفية؟ وهل هناك عاقل يمكن أن يصدّق بأن شظايا هذه القنبلة الموقوتة لن ترتد عليه ولن تطاله بما أن مقومات التفجير والتقسيم من تنوع عرقي وطائفي ومذهبي موجودة في كل الدول؟ كل هذا يجعل من اللعبة التي تنخرط فيها دولة مغاربية في سياق مناكفاتها وصراعاتها مع الجزائر لعبة بالغة الخطورة وتهدد بتفجير المنطقة المغاربية برمتها طالما أن مقومات التفجير موجودة في كامل المنطقة.. والمطلوب هو التنبه قبل فوات الأوان إلى الأصابع الصهيونية والأمريكية التي تسحب وتدير خيوط اللعبة من وراء الحجب وتدفع باتجاه تفجير الأوضاع في الجزائر وتهديد استقرار هذه الدولة المحورية اقليميا ودوليا. ذلك أن هذه اللعبة هي أشبه ما يكون بمن يحاول قطع غصن الشجرة الذي يجلس عليه جاره ناسيا أنه هو الآخر يجلس على نفس الغصن.. وأن السقوط الذي يريده لجاره هو سعي للسقوط في الهاوية. والعقل والمنطق والمصلحة كلها تدعو إلى التعقل وإلى التراجع عن هذه اللعبة الخطيرة والتي لن تقف شرورها عند حدود بلد أو اقليم. عبد الحميد الرياحي