الدوحة الشروق فيصل البعطوط يبدو خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» أكثر تمسكا بخيار المقاومة رغم كل الضربات الموجعة التي طالت الجناح العسكري والجناح السياسي للحركة. وهو لا يبدي كثيرا من التفاؤل ازاء مستقبل حكومة أحمد قريع (أبوعلاء).. والتي ستواجه على حد قوله صعوبات جمة نتجة أساسا من الطرفين المتداخلين شكلا ومضمونا: الإسرائيلي والأمريكي. ويؤكد مشعل في حديثه للشروق انه لا مجال للتفكير في تجربة هدنة من طرف واحد، خاصة ان الذي اجهض الهدنة اتي أعلنت قبل أشهر كان هو شارون ومؤسسته العسكرية, لكنه يقول ان «حماس» مستعدة لتحييد المدنيين وفق شروط محددة..كما ينتقد وثيقة جينيف و يعتبرها خطيرة و مرفوضة. * كيف تقرأ جدوي حكومة أحمد قريع - أبوعلاء - في هذا التوقيت الى أي مدى ترى انها تمتلك أدوات نجاحها أم يمكن ان تتعرض للإجهاض والفشل كما حدث مع حكومة أبومازن؟ - مستقبل هذه الحكومة ينطوي على قدر من الصعوبة وليس بالضرورة ان يكون مشابها أو مماثلا لمصير حكومة الأخ أبومازن وذلك لأن العلة أو على وجه الدقة أصل الداء في الحالتين واحد، ويكمن في استمرار الاحتلال الصهيوني وممارساته الشديدة العدوانية نفسها، وقد أقر الأخ أبومازن في خطاب استقالته بان كلا من الطرفين الاسرائيلي والأمريكي ساهما معا في اجهاض برنامجه وإفشال حكومته، ان المعضلة المحورية تتمثل في بقاء الاحتلال الصهيوني وممارساته التي تتجسد في استمرار الاجتياحات الى ومية والقتل والاغتيالات وتدمير المنازل وكذلك استمرار الجدار الأمني العنصري العازل، فضلا عن استمرار سياسات التجويع والحصار والتصعيد الأمني والعسكري ضد الشعب الفلسطيني. وبالتالى وما دام أصل الداء قائما فإن حكومة أبوعلاء لن تحصل على فرصة حقيقيةأو مواتية لانجاز أهدافها خاصة ان فلسفة شارون في التعامل مع الطرف الفلسطيني لا تقوم على الاستعداد لدفع ثمن أي تسوية يمكن ان يبرمها مع السلطة الفلسطينية وحكوماتها وإنما هو يريد أن يستأثر بكل شيء، ان يحتفظ بالأرض والسيادة والسيطرة على كل المقدرات الفلسطينية وفي الوقت ذاته يواصل عدوانه ويطالب السلطة الوطنية بالرغم من كل ذلك بأن تعلن حربا على المقاومة الفلسطينية. في ظل هذه المعادلة التي يحاول شارون فرضها لا اعتقد ان حكومة أبوعلاء تمتلك القدرة على النجاح. * أبوعلاء.. أعلن ان من أولويات حكومته إجراء حوار مع القوى الوطنية والتوصل الى وقف اطلاق النار وأنه أجرى في هذا السياق اتصالات مع الفصائل الفلسطينية بما في ذلك حماس والجهاد لحثها على الموافقة على وقف اطلاق النار ما هو منظوركم في حماس لهذا الطرح من قبل أبوعلاء؟ - مثل هذه المقاربة في معالجة هذا الأمر تنطوي على خطأ، وذلك من زاويتين الأولى ناتجة عن تجربة.. فمنذ شهور قليلة شهدت الساحة الفلسطينية تجربة الهدنة ولكنها سرعان ما حققت فشلا ذريعا بفعل الطرف الصهيوني ذاته والذي لعب الدور الأساسي في إفشالها فضلا عن اللامبالاة الأمريكية وانحياز واشنطن الكامل للعدو الصهيوني في طروحاته.وبالتالى فإن تكرار فكرة الهدنة في تقديري سيقود الى فشل مشابه. اما الثانية فتتمثل في زاوية الرؤية , اذ من الخطأ ان نتعامل مع الشأن الفلسطيني وفق الرؤية أو الأجندة الإسرائيلية الأمريكية التي تستبعد أي مقاربة أو معالجة للحل إلا من خلال الملف الأمني أو ما بات يطلق عليه وفق المنظور الأمريكي إعلان الحرب على الإرهاب أو تفكيك بنية المنظمات الإرهابية حسب الطرح الإسرائيلي. هذه الرؤية مرفوضة بالأساس لأن أصل المشكلة ليس المقاومة الفلسطينية وإنما هو كما ذكرت انفا الاحتلال وممارساته الهمجية والإرهابية وبالتالى فإن المدخل المطلوب يكمن في الزام الطرف الصهيوني بوقف عدوانه وأن ينسحب من أراضينا. ومن ثمة فإنه يتعين على حكومة أبوعلاء أن تحرص على فرض الأجندة الوطنية الفلسطينية لا أن تتعاطى مع الأجندة الإسرائيلية الأمريكية بلغة فلسطينية ..وعلى رأس الأجندة الوطنية الفلسطينية زوال الاحتلال ووقف ممارساته العدوانية على الشعب الفلسطيني من تدمير منازل أو قتل أو اغتيالات أو اجتياحات وإزالة الجدار العازل والإفراج عن الأسرى والتسليم بالحقوق الفلسطينية المشروعة. بدون ذلك فإن أي حكومة فلسطينية مهما تبدلت عناوينها أو مسمياتها أو رؤساؤها لن تحظى بالتأييد الفلسطيني الشعبي وبالتالى لن تنجح. * لكن لوحظ في الآونة الأخيرة تعدد الرؤى داخل حركة حماس إزاء إشكالىة الهدنة ان صح التعبير فثمة نفر يبدي موافقته على الهدنة وآخرون أكثر تشددا وربما أنت واحد منهم ترفض هذه الهدنة ,فالشيخ أحمد ياسين صرح غير مرة انه مع امكانية الهدنة إذا توقف الطرف الآخر عن ضرب المدنيين الفلسطينيين؟ - بادىء ذي بدء أؤكد لك ان ثمة لغة واحدة أو بالأحرى موقفا واحداً داخل حركة حماس وان تعددت صيغ التعبير عن هذا الموقف فإنه يقوم على المرتكزات التالىة: أولا: بعد فشل تجربة الهدنة السابقة وفي ظل المعطيات التي حدثتك عنها ليس لدينا موافقة أو قبول بتكرار فكرة الهدنة بمعنى ان نقدم موقفا مسبقا في هذا الاتجاه. ثانيا: أي طرف عربي أو إقليمي أو دولي يريد ان يتحرك على صعيد الصراع العربي الإسرائيلي فإنه يتعين عليه ان يبدأ من نقطة وقف الاعتداءات الاسرائيلية على شعبنا وإذا انتزع هذا الطرف موقفا من الاحتلال الإسرائيلي يقوم على التوقف عن العدوان وعن الممارسات الإرهابية عند ذلك نحن كقوى مقاومة وليس حركة حماس فحسب يمكن ان ندرس الأمر. ثالثا: ان حماس تكرر الىوم كما كررت بالأمس انها على استعداد لتحييد المدنيين من الصراع وفق رؤية وشروط محددة. هذه المرتكزات الثلاثة تمثل موقف حركة حماس بصرف النظر عن تعدد صيغ التعبير. * إذن هذا ينطوي على امكانية تعاطي حماس بايجابية مع طروحات حكومة أبوعلاء بخصوص القبول بوقف اطلاق النار؟ - ان موقفنا مغاير لهذا الطرح فلا حماس أو أي قوى أو حركة فلسطينية مقاومة بمقدورها القبول بالهدنة أو وقف اطلاق النار هكذا بدون سياق محدد، لقد عرضنا قبل أشهر الهدنة ولكن العدو الصهيوني هو الذي افشلها، وبالتالى فإن تكرار الخطوة ذاتها سيحقق الفشل نفسه لأن المعطيات المحيطة لم تتبدل أو تتغير ومن ثم فإن المطلوب هو مدخل جديد مختلف يتركز في ممارسة الضغوط على الطرف الصهيوني كي يوقف عدوانه أولا ثم بعد ذلك يعرض الأمر على الفلسطينيين وتدرسه الفصائل المقاومة في حينه. ان هذه الفصائل تجاوزت امكانية طرح هدنة مسبقا ,لقد توصلنا الى قناعة مؤداها ان تكرار مثل هذه الهدنة من الطرف الفلسطيني يقضي إلى إضعافه فضلاً عن أنه يضعها في موضع الرخص ويغري عدونا بالمزيد من التصلب والتشدد. * لوحظ في الفترات الأخيرة أن ضربات الجناح العسكري لحماس باتت تركز على عسكريين إسرائيليين وفي مناطق احتلت بعد عام 1967 هل يعكس ذلك تحولاً في حركة المقاومة؟ - ليس ثمة تغيير في سياسات حركة حماس غير أن مسألة العمليات العسكرية مرتبطة بالظروف الميدانية للمجاهدين وذلك من اختصاص الجناح العسكري في الحركة كتائب عز الدين القسام والذي يقدر ظروفه والفرص المتاحة أمامه وإمكانية التعامل معها.. فضلاً عن شكل وأنواع العمليات والمواقع التي توجه إليها. -مادمنا نتحدث عن الجناح العسكري لحماس هل أصبح بالفعل أقل فعالىة في عملياته بعد سلسلة الضربات الموجعة نوعاً ما لقياداته وكوادره في الأشهر الأخيرة عبر انتهاج قوات الاحتلال لسياسة الاغتيالات؟ إن رصيد الواقع يقدم إجابة مغايرة وينفي هذا التصور , فحماس رغم كل الضربات التي تعرضت لها مازالت قوية بفضل الله تعالى .. وأشير هنا إلى أن ضربات جناحها العسكري موفقة وموجعة للعدو ومن يتابع الأشهر والأسابيع الأخيرة بوسعه أن يتيقن من تلك الحقيقة فحماس ضربت في عين يبرود ونتساريم بالتنسيق مع الاخوة في الجهاد الإسلامي في عملية كانت موجهة ضد عسكريين، وقبل ذلك وجهت ضربات موجعة في صرفنه قرب تل أبيب وفي القدس وغير ذلك من مدن ومواقع. و هذا يؤكد أن الجناح العسكري لحماس، رغم كل ما تعرض وما سوف يتعرض له من ملاحقة واغتيالات ومطاردات لقياداته وكوادره مازال قادراً وبفضل الله سبحانه وتعالى على أداء دوره وهذا دليل عملي على أن المقاومة الفلسطينية ليس بمقدور أي طرف أن يوقفها بل أن العدو الصهيوني غدا عاجزاً عن وقفها بالرغم من كل أسالىبه العدوانية وترسانته الشديدة التقدم ...إن الأمر الوحيد الذي بوسعه أن يوقف المقاومة هو زوال الاحتلال. هذه هي الرسالة التي تبعث بها فصائل المقاومة الفلسطينية للعالم كله وللعدو الصهيوني على نحو خاص. ولعل من يتابع الجدل الإسرائيلي الداخلي في الأسابيع الأخيرة سوف يتوقف عند اعتراف صريح بعجز قوات الاحتلال الإسرائيلي عن الحسم العسكري والأمني للصراع مع الفلسطينيين بل ان رئيس الأركان موشي يعلون الذي وعد الشارع الإسرائيلي في مطلع العام الحالى أن يكون عاماً للحسم مع الفلسطينيين هو ذاته الذي انتقد سياسات شارون واعتبر أن مزيداً من التشدد سيقود إلى نتائج عكسية والمزيد من ردود الفعل الفلسطينية متمثلة في تصاعد المقاومة ..فضلاً عن ذلك فإن الصحافة الإسرائيلية زاخرة باعترافات المحللين والكتاب والسياسيين والاستراتيجيين الصهاينة الذين لا يرون سبيلاً لنجاح الخيار العسكري الأمني ويدعون قيادتهم إلى البحث عن مخرج سياسي . وهذا يضع أمام قادة العرب وبالذات القيادة الفلسطينية في السلطة والحكومة درساً مؤداه أن المقاومة والصمود والوحدة الوطنية على قاعدة الانتفاضة هي الكفيلة وحدها بإجبار العدو على التراجع. هذا الدرس بدأ يتجلي في العراق أيضاً , فالولايات المتحدة بعد الانتهاء من غزو العراق تحدثت عن بقاء طويل الأمد.. هناك لكنها تحت ضغوط المقاومة العراقية باتت تتحدث عن ضرورة سرعة نقل السلطة للعراقيين بصرف النظر عن مدى الجدية أو المصداقية أو الخداع في هذا الموقف لكن ذلك يمثل ثمرة حقيقية وماثلة للعيان للمقاومة سواء في فلسطين، أو في العراق.