لما حاصر رسول الله ص بني قريظة ارسلوا الى الصحابي ابي لبابة بن عبد المنذر وكانوا حلفاءه، فاستشاروه في النزول على حكم النبي ص فأشار الى حلقه يعني ان رسول الله سيذبح اليهود، فلما انصرف ابو لبابة ندم ورأى انه خان الله ورسوله فقال، والله لا انظر في وجه رسول الله حتى احدث للهتوبة نصوحا يعلمها الله في نفسي، فرجع الى المدينة وربط يده الى جذع من جذوع المسجد قريبا من عشرين ليلة. ثمافتقده رسول الله فقال: ما منك ابو لبابة؟ فذكروه له ما فعل فقال عليه الصلاة والسلام: لو جاءني لاستغفرت له، واذ قد فعل هذا فلن احركه حتى يقضي الله فيه ما يشاء. ثم نزلت توبته فجاءه رسول الله ففكه. هكذا علم رسول الله اصحابه ان ينظروا الى الذنب على انه جبل عظيم وقع على رؤوسهم، وليس هو كالذبابة وقعت على انفه، وابو لبابة واحد من اصحابه الذين تعلموا ذلك، فعظم في نفوسهم الذنب، وخافوا خوفا عظيما من عاقبته، وذلك عندما علموا ان الله يطلع على سرائرهم ان غفل عنهم الرقيب، واستطاعوا ان ينفلتوا من محاسبة الدنيا، لكن حساب الآخرة سيفضحهم ويكشف سرهم. لم ير ابا لبابة احد من الجواسيس ولا نقلت اخباره الى رئيسه وقائده، بل ادرك بنفسه جنايته على نفسه فخاف ان يأتيه الموت وقد دنس بالخطيئة، ويا ليته تاب فيما بينه وبين ربه فهذا عمل عظيم يشكر عليه، لكنه احب ان يفضح نفسه في الدنيا قبل فضيحة الآخرة، لان الدنيا فانية والفضيحة فيها ليست كما هي في الآخرة «ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون». هذه هي التربية، وهذا هو الايمان، الذي يربي في القلب الخوف من الله، والرجال من أليم عذابه وشديد سخطه فاذا وصل الانسان الى هذه المنزلة حاسب نفسه بنفسه، وراقب حاله بحاله، وكفاه رقيب الملائكة عن رقيب الخلق، وفزع ان يقال له يوم القيامة «اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا».