وألقت السفن مرساها قبالة الجزيرة الخضراء عند الجبل الذي سيسمى فيما بعد وإلى الأبد جبل طارق، وكان المسلمون على قلة عددهم مدفوعين بالرغبة في الجهاد وبالرؤيا الصالحة التي رآى فيها قائدهم طارق بن زياد النبي صلى الله عليه وسلم يشجعه على التقدم. كنت كل المعطيات العسكرية تشير إلى هزيمة منتظرة للمسلمين أمام جيش «لذريق» ملك القوط الذي كان قادرا على جمع عشرات الآلاف من الرجال في أيام خصوصا وقد كان آنذاك في حالة حرب ض بعض منافسيه على رأس جيش قوامه مئة ألف مقاتل. كما كان لذريق يقدر على تأجيل حروبه الداخلية وتحويل وجهة ذلك الجيش لمواجهة المسلمين وإبادتهم في ساعات وهو ما كان يدركه طارق بن زياد جيدا ويخشى عواقبه على معنويات جيشه الصغير. وهنا تتفق كتب التاريخ على أن طارق بن زياد حرض جيشه على الجهاد وعدم النكوص وخطب فيهم على عادة القادة المسلمين، أما ما يضيفه بعض الرواة فهو ما فعله لما قطع المضيق ونزل أرض الجبل الذي سيحمل اسمه من تعمده إضرام النار في المراكب حتى ييأس الجند من الهرب والعودة خوفا من الاسبان. لم يكن المسلمون حتى تلك المرحلة أصحاب خبرة في حروب البحر ولا في القتال في أماكن معزولة بريا عن قواعدهم كما حدث لهم في اسبانيا حيث أحسوا أخيرا أن السبل قد تقطعت بهم خصوصا وقد اعتادوا حروب البر حيث يمكنهم التراجع والاحتماء بخطوطهم الخلفية إذا ما تفوق عليهم عدوهم. لقد ترجمت نصائح الخليفة الوليد بن عبد الملك هذا الوضع حين أمر موسى بن نصير أن يجرب حرب اسبانيا بالسرايا والفرق العسكرية الصغيرة التي يمكنها الإغارة والعودة سريعا إلى بلاد المسلمين. ولا شك أن طارق بن زياد كان يعي ذلك الوضع الحساس جيدا لذلك أمر بإحراق المراكب حتى تذهب همة المسلمين إلى القتال دون تعويل على الهرب وأطلق كلمته الشهيرة التي ستصبح مثلا بعده تضرب للأوضاع الحتمية التي ليس لها سوى حل واحد هو المواجهة إذ قال لرجاله بعد ذلك: «البحر أمامكم والعدو وراءكم». ومن ناحية المؤرخين الاسبان نجد عدة روايات مثيرة حول هذه الغزوة وقد ورد بعضها في كتب التاريخ مثل الكامل في التاريخ لابن الأثير والتي جاء فيها أن عجوزا من أهل المنطقة التي سيسميها المسلمون بعد ذلك الجزيرة الخضراء تقدمت إلى طارق بن زياد وقالت له: «إنه كان لها زوج عالم بأخبار الزمان، فكان يحدثهم عن أمير يدخل بلدهم هذا فيتغلب عليه، ويصف من صفته أنه ضخم الهامة، فأنت كذلك، ومنها أن في كتفه الأيسر شامة عليها شعر فإن كانت فيك فأنت هو، فكشف ثوبه فإذا بالشامة في كتفه على ما ذكرت، فاستبشر ومن معه». وبعد أن جمع جيشه على الجبل الذي سيحمل اسمه نزل طارق بن زياد إلى الجزيرة الخضراء وافتتح حصنها مستعدا للحروب الموالية والتي ستضع قدم المسلمين على أرض اسبانيا كما سنرى في الحلقات الموالية.