رأينا في الحلقة الفارطة كيف استعد ابنا الملك السابق «غيطشة» اللذين كانا في جيش ملك اسبانيا لذريق للغدر به واتصلا بطارق بن زياد يعلمانه أنهما يكنان الحقد لهذا الملك الذي كان تابعا لأبيهما ثم اغتصب منه ملك اسبانيا، كما طلبا من طارق أن يؤمنهما على حاتيهما مقابل الوقوف معه في الحرب عند المواجهة بمن معهم من الأتباع ولم يطلبا مقابل ذلك سوى أن يستعيدا أملاك أبيهما من ضياع وغيرها ليكون الملك للمسلمين فوافقهم طارق على ما طباه وكتب لهم العهود مؤملا أن يساهم ذلك في تخفيف الضغط على جيش المسلمين. واستعد المسلمون للمواجهة التي تبدو بكل المقاييس غير متكافئة فقدم طارق نفراً من السودان بين يدي جيشه ليتلقوا بما عرف عنهم من الصبر والثبات صدمة الجيش الأولى، وبدأ القتال يوم الأحد الثامن والعشرين من رمضان سنة 92 ه، فأظهر فرسان القوط مقدرة عظيمة في القتال أول المعركة، وثبتوا لضغط المسلمين، وأخذ يوليان حاكم سبتة ورجاله يخذلون الناس عن لذريق ويصرفونهم عنه، قائلين لهم: «إن العرب جاؤوا للقضاء على لذريق فقط، وإنهم إن خذلوا لذريق اليوم صفت لكم الأندلس بعد ذلك». وأثر هذا الكلام في جنود القوط فقد كان كثير منهم يكرهون لذريق، فخرج فرسانه من المعركة وتركوه لمصيره، فاضطرب نظام جيشه وفر الكثير منهم، وخارت قوى لذريق ولم تغنه شجاعته شيئاً، ويئس من النصر لما رأى جنده يفرون أو ينضمون للمسلمين. وهجم طارق على لذريق فضربه بسيفه فقتله، وقيل في بعض الروايات إن طارق جرحه فهرب ورمى بنفسه في وادي لكة فغرق، وحمل النهر جثته إلى المحيط فلم يعثر عليها أحد. هكذا أراد الله أن يجعل دخول المسلمين أرض أوروبا مرهونا بتلك المعركة الحاسمة التي واجه فيها اثني عشر ألف مسلم مئة ألف مسيحي فكانت الغلبة لكلمة الله ولجيشه. انهار الحكم الملكي في ساعات وهرب الفرسان المشهورين بالبطش والشدة لا يلوون على شيء في فلول لن تقوم لها قائمة كما سنرى في الحلقات الموالية. والحقيقة أن المسلمين كانوا قد وضعوا أقدامهم على أرض اسبانيا ولم يدخلوا عمقها بعد ذلك لأن لذريق اختار أن يواجههم في بداية تقدمهم لكن تلك المعركة هي التي ستفتح أوروبا الغربية أمام المسلمين حتى يصلوا الى وسط فرنسا في ما بعد لأن الملكية الاسبانية لم تقدر بعد ذلك على جمع جيش آخر يهدد المسلمين كما سنرى في الحلقات الموالية.