يعتقد جانب من العراقيين، هم أغلبية الشعب في تقدير البعض ودون ذلك بكثير في نظر البعض الآخر، ان الانتخابات التي يفترض ان تتم موفى الشهر المقبل تمثل الدواء الشافي والناجع لامراض العراق والحل «السحري» لمعضلته التي أوجدها الاحتلال الامريكي... ويدعم الامريكيون الطرح القائل بأن الانتخابات التي سوف تتم في ظل وجود حوالي 150 ألف عسكري امريكي وبضع عشرات من المراقبين الامميين، تمثل خطوة كبيرة باتجاه عراق ديمقراطي وتعددي يسوده الوئام بين مختلف الطوائف والاعراق التي تتشكل منها الدولة والشعب العراقيان، وهذا تحديدا ما كرره أمس الرئيس الامريكي جورج بوش وزاد عليه ان الانتخابات سوف تتم في موعدها مهما حدث. وهذا الموقف الامريكي الرافض لمجرد الحديث عن ارجاء الانتخابات ينعكس بطبيعة الحال آليا في تصريحات الحكومة المؤقتة في بغداد. وفي مقابل من يدعم الانتخابات ينكر جانب من العراقيين وهم ليسوا بالقلة القليلة عديمة التأثير، ان تكون لهذه الانتخابات او للمؤسسات التي سوف تنشأ عنها (حكومة شبه دائمة ومجلس وطني سيقوم بصياغة الدستور) اي مشروعية في ظل احتلال يمسك بزمام العراق كله ويحرك خيوط اللعبة السياسية فيه كما يشاء... وبين الرأيين بلا شك بون شاسع واختلاف كبير ظاهر لا يمكن اخفاؤه... لكن النظر من زاوية مشروعية الانتخابات وتأثيرها في مستقبل العراق يجعل احد الرأيين أصوب من الاخر وأجدر بأن يعمل به خدمة لمصلحة العراق وصونا لاستقلاله ووحدته. والقصد هنا واضح بالتأكيد فاجراء انتخابات في ظرف كهذا حيث البلد واقع تحت احتلال امريكي مباشر لا يترك مجالا للحديث عن سيادة فعلية على الارض والاجواء والمياه الاقليمية العراقية، يلغي أساسا احتمال توفر ادنى قدر ممكن من النزاهة والشفافية... فالاحزاب المرتبطة بالسلطة المعينة القائمة في بغداد مستفيدة كل الاستفادة من وجود الاحتلال على حساب احزاب وتنظيمات مناهضة لهذا الوجود ولعل اقصاء التيار الصدري او على الاقل تهميشه... واضعاف تيارات اخرى مختلفة في طرحها او متباعدة عن الكتلة الشيعية الابرز الموجهة من قبل الزعامات الدينية القريبة من إيران يمثل دليلا على مدى قصور هذه الانتخابات عن أن تكون جديرة بإثبات نزاهتها أولا وتمثيلها إرادة الشعب العراقي ثانيا... ولا يخفى أيضا أن هذه الانتخابات سوف تتم تحت ظلال الحراب الأمريكية الموجهة إلى صدور العراقيين وبالتالي لا يمكن الادعاء بأن القوات الأمريكية ستحمي الاقتراع والمقترعين حيث لا يمكن أن يكون الأمريكيون خصما لشق من العراقيين وحكما في الوقت نفسه. ولا خلاف في أن توفر عامل فقط من عوامل التدخل الخارجي والعامل الحاضر في هذه الحالة هو الاحتلال الأمريكي ينزع عن الانتخابات مشروعيتها ومصداقيتها. أما من ناحية تأثيرها في مستقبل ا لعراق فإن تغييب فئات مؤثرة من الشعب العراقي عن عملية سياسية مصيرية كهذه ينفي كل ادعاء بأن العراق ماض باتجاه مجتمع ديمقراطي وتعددي.. والظاهر أن الصورة تكاد تكون مقلوبة تماما، إذ أن العراق يسير باتجاه تسلط أمريكي كامل مغلف ومعلب بشعارات لم يجن منها العراقيون بعد أي فائدة وقد لا يجنون منها شيئا حتى بعد الانتخابات المقبلة.