لعل من أكبر الاخطاء التي ارتكبتها الولاياتالمتحدة في سياستها المتبعة بالعراق أنها عملت على تهميش العراقيين السنة بدعوى أنهم انفردوا بالحكم لعشرات السنين واتجهت في المقابل الى جماعات اخرى، معظمها من الشيعة وخصوصا من بعض أولئك الذين جاءت بهم على ظهور دباباتها وطائراتها عساها أن تخفف عنها بذلك ضربات المقاومة و»تسكّن» بها «أوجاعها» في العراق... وبما أن كل شيء في العراق أصبح مصدر لعنة فإن هذه الخطة باءت بالفشل بل أنها وعوض ان توفر لهم مخرجا من مأزق العراق فإن الامريكان واجهوا حالة جديدة من المقاومة تمثلت في مواجهات محتدمة بحيث تحوّل العراق من شماله الى جنوبه الى ساحة حرب ملتهبة أقضت مضاجع المحتلين وأضافت اليهم مشاكل وأزمات متلاحقة وألحقت بهم أضرارا بالغة اعترف بها اكثر من مسؤول وجنرال امريكي. وإذا كان واضحا أيضا أن المقاومة العراقية لم تنحصر فقط في مناطق ومحافظات سنية فإنه لا يخفى على أحد ان السنة كانوا بمثابة «عنوان» للمقاومة ضد الاحتلال... ولعلّنا نذكر في هذا الباب ذلك الموقف الشجاع الذي اتخذته هيئة علماء المسلمين في العراق أثناء معركة النجف كما في الفلوجة وتل عفر وغيرها حيث أكّدت هذه الهيئة ضرورة وحدة الصف العراقي في مواجهة الاحتلال بل وشدّدت على ان المقاومة تبقى الخيار الوحيد بالنسبة الى الشعب العراقي للتخلص من عبء الاحتلال. ومثل هذا الموقف وإن كانت «ضريبته» باهظة بالنسبة الى هذه الهيئة كما الشعب العراقي بأكمله فإنه خلط اوراق الاحتلال وأدّى الى تفاقم ورطته بالعراق حتى أنه وجد نفسه عاجزا حتى على «كسب ودّ» شخصيات سنية عراقية تتعاون معه للتخفيف من أزمته في العراق... ويعكس هذا العجز في الواقع حقيقة ثابتة مفادها أن سنة العراق قد فرضوا أنفسهم رقما صعبا في أية عملية سياسية في العراق حيث بدا ذلك جليا خصوصا من خلال «الفيتو» الذي رفعوه ضد الانتخابات والذي قلب كل ما تم التخطيط له وأربك كل المساعي التي بذلها ويبذلها الامريكان وعملاؤهم للتحضير لهذه «الطبخة» واجبروهم على توخّي اساليب الاغراء والترغيب للمشاركة في هذه الانتخابات لكن هذه الاساليب جميعها لم تجد نفعا وانتهت مجددا بالفشل. ومثل هذا الفشل نلمس مؤشراته بوضوح من خلال المساعي المتواصلة التي تبذلها الادارة الامريكية هذه الايام عبر محاولاتها للتفاوض مع سنة العراق ولاشراكهم في العملية السياسية الجارية... ولعلنا نذكر في هذا الباب المفاوضات السرية التي أجرتها الولاياتالمتحدة مؤخّرا مع عدد من ممثلي السنة في العراق في هذا الاتجاه بهدف تحريك المسار السياسي وتمرير «طبخة» الانتخابات عساها أن تتمكن بذلك من تفادي وضع ربما يلوح اكثر قتامة مما هو عليه الآن... على أن السؤال الذي يفرض نفسه بإلحاح في ضوء هذه المعطيات هو هل أن الامريكان سيتمكنون في النهاية من «احتواء» السنة في هذه الانتخابات. ويوفرون لأنفسهم بالتالي «طوق» النجاة... أم أن ذلك سيجلب لهم مزيدا من النكسات؟