رغم قتامة المشهد العام في العراق بسبب ضراوة المعارك الأخيرة بين قوات الاحتلال الأمريكي وأنصار الزعيم الشيعي مقتدى الصدر من بغداد إلى البصرة مرورا بالنجف والكوت والعمارة فإن ما أفرزته هذه الثورة الشاملة من دعوات إلى التوحد من شأنه أن يربك خطط الاحتلال وقد يعجل برحيله. فقد خرج أمس مئات المصلين من السنّة في مظاهرات غاضبة عما يجري في النجف منذ أيام مرددين شعارات من قبيل «معركة النجف هي امتداد لمعركة الفلوجة» وكلا المدينتين رمز اأولى معقل الشيعة في العراق والثانية معقل السنة، والأهم من ذلك أنهما صارتا أبرز معاقل مقاومة الاحتلال الأمريكي فيالعراق. كم جميل أن يردّد السنّة مثل هذه الشعارات فيما تعيش مدينة النجف الشيعية، أو مدينة السلام كما يسميها البعض حالة دمار شامل وحصار خانق، وكم هو مربك هذا التوحد القادم والخطر الداهم على الاحتلال. لقد عملت السلطات الأمريكية منذ بدء الغزو على تكريس مبدأ «فرّق تسد» وسعت جاهدة في بث الفتنة الطائفية وتصوير الوضع الداخلي في العراق على أنه متدهور بسبب عجز العراقيين عن تحمّل مسؤولياتهم وتجاوز خلافاتهم وإدارة شؤون بلادهم بأنفسهم. وإنما هي تفعل ذلك لإطالة أمد الاحتلال والاستفادة من حالة الفراغ السياسي والانفلات الأمني لفرض املاءاتها على الحكومة المنصبة. لكن ما لم تدركه سلطات الاحتلال في كل ذلك أنها ظلت حتى الآن، ورغم مرور عام ونصف من الغزو عاجزة عن إدراك طبيعة المجتمع العراقي بل وعن تحديد طبيعة الصراع القائم وعن تحديد أهدافها من البقاء في العراق حتى الآن رغم ترويجها لمقولات «التحرير وارساء الأمن والديمقراطية» التي لم تعد تنطل على أي عراقي أو حتى على المسؤولين الأمريكيين أنفسهم. ولعلّه من باب الصلف أن يقدم الاحتلال في كل مرة على فتح جبهة كبيرة للقتال ضد فئة ما في العراق جاهلا أو ربما متجاهلا أنه يفتح بذلك أبواب الجحيم على نفسه. وليست هذه المرة الأولى التي تمارس فيها سلطات الاحتلال الأمريكي في العراق مثل هذا «الغرور الحربي» الذي ينمّ عن جهل لما يجري وعن ورطة يصعب الخروج منها بمثل هذه القرارات «الارتجالية» المرتبكة. فقد أقدمت قوات الاحتلال الربيع الماضي على مهاجمة الفلوجة والنجف معا، فما جنت سوى انتفاضة شاملة عرت عجزها عن القضاء على المقاومة وعن احتواء أي من الفصائل بل عن ادراك مطالبها السياسية حتى. ولم تعتبر قوات الاحتلال من نكستها تلك فعاودت الهجوم على النجف ربما لأن غموض «التيار الصدري» وحصر مطالبه في دحر الاحتلال أزعجها، فلدغت من جحر التوحد مرتين، وقد تلدغ مرات أخرى إن لم تعجل بايجاد صيغة للرحيل وترك العراق للعراقيين.