تونس الشروق على الرغم من أن الأمر ما يزال في بداياته ولم يغادر بعد سرعته الأولى فإن كل المؤشرات تنبىء بأن المشهد السياسي الوطني مقبل لا محالة على تطور هام خلال الأشهر القليلة القادمة. وبعيدا عما يحمل من انتظارات كبيرة من السلطة في تفعيل الرؤى والمقترحات الرئاسية الأخيرة فإن عددا من المهتمين بالشؤون السياسية التونسية يضعون تجديد الهياكل الحزبية، وانعقاد مؤتمرات الجامعات لجل التنظيمات السياسية كفرصة هامة لتوفير الأرضية الملائمة لممارسة سياسية أكثر جدوى وأكثر التصاقا الى الضوابط القانونية. والأصل في هذا الاهتمام أن تطوير المشهد السياسي واثرائه لا يمكن أن يتم حتى في ظل المبادرات التي قد تقدم عليها السلطة السياسية بهياكل منبتة عن القواعد ومجتزئة لنضالات العديدين ومُخمدة لحماسات آخرين. هيكلة وتجديد وعمليا، تعيش كل الأحزاب السياسية هذه الأيام على وقع أحداث وبلاغات وبيانات يصب جميعها في خانة الإعداد أو الشروع في اعادة الهيكلة وتجديد الفروع وعقد مؤتمرات الجامعات مما يوحي من الآن بأن سنة 2005 ستكون سنة الحركية الحزبية والنشاط المكثف الذي يمكن أن يؤسس لسلوكات جديدة تتجه نحو ضخ دماء جديدة داخل الأحزاب وتوفير الضوابط اللازمة لممارسة ديمقراطية حقيقية وفاعلة ترقى بالهياكل عن حالة الوهن والضعف وتدفعها الى فضاءات أرحب. صراع النفوذ الوقت سيكون ضاغطا بالنسبة لحزبي الاتحاد الديمقراطي الوحدوي والتحرري الليبرالي بحكم اقتراب موعد عقد مؤتمريهما (شهر مارس) ويخشى في أن يفقد الحزبان زمام الأمور في ظل بحث الجميع حاليا عن موطن قدم نافذ يمر حتما عبر ضمان أعلى قدر من ولاء الهياكل وانسجامها مع رؤى الفاعلين على مستوى قيادة الحزبين. ولئن بدا مآل التحرري سالكا بحكم «النفوذ» الذي يحوزه رئيسه السيد منير الباجي والأغلبية التي يحظى بها في المكتب السياسي فإن الأوضاع تبدو مغايرة للوحدوي الديمقراطي الذي قد لا تتوضح اختياراته في ظل رغبتين متناقضتين الأولى تبحث عن تجديد كامل الهياكل وعقد المؤتمر في تاريخه والثانية تبحث عن استدامة الوضع الراهن واطالة أمد المؤتمر ربما حتى الى السنة المقبلة، على أن الرأي يبقى مؤكدا في أن الحل لا يمر عبر نفوذ القيادة، وصراع النفوذ» بل يتأسس على اجراء هيكلة صحيحة وجريئة تمنح الفرصة للقواعد والمناضلين لحسم الاختلافات الموجودة. استعدادات وعلى أن الأمر يبدو أكثر أريحية لثلاثة أحزاب أخرى هي الوحدة الشعبية وحركة التجديد والحزب الديمقراطي التقدمي التي هي معنية كذلك بمؤتمرات وطنية خلال السنة الحالية أو بداية العام القادم على اعتبار أن تمشيها الحالي لم يكشف بعد عن التواريخ الرسمية والنهائية مما يجعلها في مأمن ظاهري من كل ضغوط زمنية ممكنة ويدفعها الى انجاز تجديد الهياكل في متسع من الوقت. فالوحدة الشعبية قد أشار بيان مكتبها السياسي المنعقد هذا الأسبوع الى اقرار انعقاد كل مؤتمرات جماعات الحزب خلال السنة السياسية الحالية وحركة التجديد ما تزال تبحث عن مضامين ومحتويات لمؤتمرها قبل الخوض في مستلزماته وتواريخه مع اهتمامها بانجاح تجربة المبادرة وضمان انتشارها وتواجدها في كامل الجهات. في حين أكدت مصادر التقدمي الديمقراطي أن الهيكلة تسير بصفة عادية وهي تشتمل على بعث جامعات جديدة (سوسة، المنستير، ونابل وقبلي ومدنين). وتجديد الجامعات الموجودة ويدخل كل ذلك في اطار الاعداد للمؤتمر الرابع للحزب المقرر للسنة الحالية والسعي إلى ضمان انتشار الحزب في كامل الجهات. وفاق وحتى حركة الديمقراطيين الاشتراكيين التي عقدت مؤتمرها الوفاقي الصائفة الفارطة فانها ستكون مشغولة هي كذلك خلال الفترة القادمة بتجديد بطاقات الانخراط (بداية من 15 فيفري) وهيكلة الفروع (بداية من 15 مارس) وهيكلة الجامعات (في فترة سابقة عن الانتخابات البلدية) ويأتي ذلك في اطار ما قال عنه أحد أعضاء المكتب السياسي أنه لازم لتجاوز بعض الصعوبات التي عرفتها الحركة مؤخرا بمناسبة الانتخابات الرئاسية والتشريعية ل24 أكتوبر 2004 واعادة استجماع الصفوف للمرحلة القادمة. اهتمامات وهكذا تتوزع الاهتمامات بين الأحزاب السياسية تجاه المؤتمرات والهيكلة بين اهتمامات ظرفية محكومة الى مواعيد انتخابية قريبة (الوحدوي والتحرري) ورغبة في مزيد الانتشار واستقطاب مختلف العائلات والتيارات الفكرية التقدمية (التقدمي وحركة التجديد) وأملا في تجسيد الشعار الوفاقي لمؤتمر سابق (الحدش) وانتظارا للمزيد من المكاسب والمغانم وهو حال الوحدة الشعبية التي اتضح أن لها من القدرة على امتصاص الأزمات والبقاء في مأمن من كل التأثيرات السلبية على الرغم مما في هياكله وفروعه من اختلافات في الرؤى والتقييمات. اصلاح وفي هذا التوزع تستهدف كل الأحزاب في برامجها القادمة الالتفاف الى القواعد والمناضلين وان كان ذلك الالتفاف محكوما برغبات مختلفة فإن فرصة المؤتمرات وتجديد الهياكل ستبقى من الفرص النادرة حتى تحقق الأحزاب قدرا من الاصلاح المطلوب منها للتفاعل مع متطلبات المرحلة القادمة وذلك عبر الانصات الى المناضلين واقرار مبادىء ديمقراطية وانتخابية شفافة في تركيبة مختلف الهياكل وفسح المجال أمام كل الآراء وان تباعدت للتواجد داخل الأطر الرسمية التي تبقى المجال الوحيد لاثراء الممارسة السياسية والنهوض الفعلي بالتجربة التعددية والارتقاء بها الى حجم رهانات المرحلة. فهل توفر مؤتمرات الفروع والجامعات أرضية لتجسيد اصلاح ملموس في الممارسة السياسية لأحزاب المعارضة؟