فقد العالم العربي خلال الاسبوع الماضي واحدا من كبار مفكريه المعدودين في العصر الحديث وذلك بعد ان ودّع العرب مفكّرا آخر من طينة شرابي وجيله ووطنه فلسطين: وهو إدوارد سعيد... ويبدو ان هذا الزمن لا يدّخر وسعا في ايلامنا بالهزائم والنكبات وموت العديد من أنبل الأصوات فينا. ولكن اذا كان هشام شرابي الشخص قد رحل عنّا فإن ابداعاته الفكرية وتحاليله العلمية لبنى المجتمعات العربية واسهاماته الثقافية ستظل حيّة تقود الباحثين الى المزيد من البذل والجهد لتشخيص آلامنا الحضارية وتقصّي السبل الكفيلة بالعلاج منها. التقيته على فراش مرضه الاخير، وبدا لي في معاناته ووحدته امام مصيره وعظامة امله وسموّ همّته وصبره، صورة مصغّرة لوطنه الصامد فلسطين التي احبّها بكل جوارحه. قلت له: ها ان كل ما نبّهت اليه في دراساتك السابقة يتحقق، وها ان الأنظمة التقليدية والتقليدية الجديدة تنهار لأنها لم تدرك فعلا لحظة الحداثة. فأجابني بكل ايمان بالمستقبل. وبذلك نحن الآن على عتبات مرحلة جديدة حقا... سترين ان امورا عظيمة فعلا ستتم في الامد القريب. ولمن لا يعرف هشام شرابي نقدّم هذه اللمحة عن حياته وأعماله مساهمة منّا في الايفاء بالواجب نحو هذا المفكّر الكبير. من هو هشام شرابي؟ ولد هشام شرابي في فلسطين بمدينة يافا في 4 افريل 1927 وامضى مراحل طفولته في بيت جده في عكا التحق منذ صغره بالمدارس الاجنبية حيث تلقى تعليمه الابتدائي في مدرسة «الفرندز» ثم انتقل الى الأنترناشيونال كولاج «International colege» في بيروت ثم واصل تعليمه في الجامعة الامريكيةببيروت ليتحصل منها على شهادة الباكالوريا سنة 1947 . ومثل معظم ابناء جيله المتعطشين الى العلم سافر هشام شرابي الى الولاياتالمتحدةالامريكية والتحق بجامعة شيكاغو التي تحصل منها على شهادة الماجستير في الفلسفة سنة 1948 كما تحصل على شهادة الدكتوراه من نفس الجامعة. عمل الدكتور هشام شرابي استاذا محاضرا في «تاريخ الفكر الاوروبي الحديث» في جامعة جورجتاون في واشنطن من سنة 1953 الى حدود تقاعده منها سنة 1998 . لقد كان لدى هشام شرابي وعي مبكر بقضايا المجتمع العربي عامة وصراعه مع الاستعمار الاوروبي وبقضايا وطنه فلسطين خاصة وهذا ما دفعه الى الانتماء الى «الحزب السوري القومي الاجتماعي» الذي استطاع من خلاله ان يعبّر عن آرائه ومبادئه الثورية ضد : Neopatriarchy: A theory of Distorted Change in Arab Society New Nork, 1988. ترجمه الى العربية حنا دميان بعنوان «البنية البطركية: بحث في المجتمع العربي المعاصر، بيروت 1987 ثم ترجمه محمود شريح بعنوان «النظام الأبوي وإشكالية تخلف المجتمع العربي» مركز دراسات الوحدة العربية بيروت 1992 . اما كتب هشام شرابي بالعربية فهي: مقدّمات لدراسة المجتمع العربي، الدارالمتحدة للنشر، بيروت 1975 الديبلوماسية والاستراتيجية في الصراع العربي الاسرائيلي، الدارالمتحدة للنشر، بيروت 1975 . الجمر والرماد: ذكريات مثقف عربي، دار الطليعة بيروت 1978 النضال الصامت، دار الطليعة بيروت 1981 النقد الحضاري للمجتمع العربي في نهاية القرن العشرين، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 1990 صور الماضي سيرة ذاتية دار نلسن، بيروت 1993 النقد الحضاري لواقع المجتمع العربي المعاصر، دار نلسن بيروت 2000 نصوص ومقالات في القضية الفلسطينية، دار نلسن بيروت 2001 ازمة المثقفين العرب، دار نلسن، بيروت 2002 . بالاضافة الى جملة من المقالات والدراسات التي نشرت في العديد من المجلات العربية والعالمية. ---------------------------- (*) الزهرة بلحاج باحثة تونسية صدر لها عن دار الفارابي بلبنان كتاب عن المفكر الراحل بعنوان: «الغرب في فكر هشام شرابي»