في إطار اللقاءات الشهرية التي يعقدها «نادي كتب وقضايا» بدار الثقافة المغاربية ابن خلدون، استضاف النادي ظهر أول أمس الجمعة الدكتور فتحي التريكي في حوار حول كتابه الجديد «الحداثة وما بعد الحداثة» الصادر مؤخرا. الأستاذ رضا الملولي منشط النادي أكد في تقديمه للدكتور فتحي التريكي وكتابه أن الحداثة تطرح مجموعة من الأسئلة الملحة التي لا بدّ من مواجهتها إذ أن فكرة التقدم والتحديث ارتبطت بالنسبة للشعوب العربية بالاستعمار ففرنسا مثلا التي تعدّ نموذجا للشعوب التي استعمرتها مثل دول المغرب العربي وسوريا ولبنان في التقدم والحداثة هي نفسها التي قتلت الملايين ونهبت ثروات هذه الشعوب فكيف نكون مع التقدم وضدّ الاستعمار في نفس الوقت؟ وأضاف الأستاذ الملولي أن القيم والمفاهيم التي ناضلت من أجلها المجموعة البشرية أصبحت بلا معنى.. فماذا تعني الحرية الآن التي تحدث عنها الرئيس الأمريكي جورج بوش الإبن هل هي استعمار العراق وقتل الأطفال وتخريب المتاحف والمعالم الأثرية؟ عن أي حرية يتحدث بوش إذن؟ كل هذا يرى الأستاذ الملولي أنه يدفعنا الى إعادة النظر في جملة من المفاهيم والأفكار التي أصبحت تتمتع بقدسية ومنها التقدم والحداثة. الحداثة والاستعمار الدكتور فتحي التريكي قال في بداية حديثه إنه يحاول منذ أواخر السبعينات أن يدخل في جدل مع الأفكار الفلسفية السائدة أنذاك لأنه يعتقد أنه لا بدّ من الخروج الى الشارع والاهتمام بما يحيط بنا وما يحوم حولنا. لذلك اهتمّ بالحرب وبفلسفة التنوع القائمة على تجاوز نظرية النسق الموحد لفهم الواقع.. وقد ربط بين فكرة «التنوع» ومبادئ ما بعد الحداثة التي يجسدها فوكو ودريدا.. وأكد أن همّه الأساسي منذ السبعينات هو كيف يمكن فهم آليات الحداثة لأنها هي الضامن لثلاثة عناصر أساسية في حياة الشعوب وهي التفكير بحرية والعمل بحرية والحلم بحرية. وفي هذا السياق قال الدكتور التريكي ان النسق الماركسي كان مهيمنا على المفكرين العرب لذلك حاول أن ينقذ ماركس من الماركسية وكان أول من وصف ماركس بأنه غير ماركسي.. فبعد عصر التنوير والحداثة أصبح هناك توتر دائم في العقل الغربي وهو ما وصفه ا لفيلسوف الفرنسي ألتوسير بأزمة العقل وأكد الدكتور فتحي التريكي أننا في العالم العربي نتحدث عن هذه الأزمة بمنطق آخر لأن أزمة العقل العربي مصطنعة ومفتعلة لذلك كان الاستعمار من تبعات التحديث لأن فكرة التقدم أنتجت الاستعمار على المستوى الايديولوجي وكأن التحديث كان مبرّرا إيديولوجيا للاستعمار. ما العمل؟ الدكتور فتحي التريكي قال ان الحالة التي انتهى إليها العرب تقتضي مواجهة حاسمة مع الذات بنقدها حتى نكون مهيئين للتحديث خارج دائرة الاستعمار وتحدّث عن النموذج التركي عندما طلبت الإدارة الأمريكية من الحكومة التركية السماح لها باستعمال الأراضي التركية كمنطلق لعملياتها العسكرية في العراق لم تجب تركيا بنعم ولا بلا وأحالت الطلب على مؤسساتها الديمقراطية وبالتالي استعمل الأتراك الحداثة والتقدم كمتراس ضدّ الاستعمار.. فالحداثة يمكن أن تصبح جدار صدّ ضدّ الاستعمار وآلياته الجهنمية والمطلوب الآن هو أن نحدّد كعرب ماذا نريد؟ هل نريد التقدم لشعوبنا أم أن نكون ضحية المثقفين الذين نشاهدهم يوميا على الشاشة وهم يقدمون دروسا في التخلّف؟! وهذا لن يتحقق في ما يقول الدكتور فتحي التريكي إلا بإعادة بناء اليسار العربي الذي بدأ بالعنف والانقلابات ولم يبدأ بالنظر.. فنحن نحتاج الى التقدم لبناء المواطنة فيجب أن يصبح الانسان العربي مواطنا أولا ليكون إنسانا حرا وهو ما لن يتحقق إلا بالدفاع عن التعايش والحياة في حرية وتجاوز منطق الغلبة والاعتراف بالآخر. وفي خاتمة كلمته قال الدكتور فتحي التريكي أن غاية الحداثة هي السعادة وأن الفلاسفة العرب والأفارقة والآسيويين هم الذين يبنون الآن شروط نشأة الانسان الجديد.