حدث ما كان منتظرا وأقرّ المكتب السياسي للحزب الاجتماعي التحرري بأغلبية أعضائه «المباشرين» مساء السبت الفارط تجميد نشاط الكاتب العام للحزب السيد حسني لحمر. ولم يكن القرار الذي استهدف لحمر الوحيد في مسيرة الحزب اذ سبق أن تعرّض آخرون الى نفس المصير الى حدّ غيّب أزيد من 7 أعضاء من المكتب السياسي المنبثق عن المؤتمر الثاني المنعقد في 25 فيفري 1999 عن النشاط الفعلي وهؤلاء هم : محسن النابلي وعلي الشيخاوي وفاروق سطا علي والهادي بن عافية وعبد الرحمان الملوّح ومحمد علي النصراوي ولمجد الباجي الذين اجتمع جلهم في ما سمي ب»المجموعة الاصلاحية» التي لقيت تجاوبا كبيرا الا ان افتقارها للعدد القانوني اللازم حرمها من كسب الخلاف مع رئيس الحزب الذي تم تداوله طويلا في أروقة المحاكم في ما عُرف بقضية «سوء التصرف داخل الحزب الاجتماعي التحرري». تأكيد التوقعات الأخبار التي تابعتها «الشروق» منذ أسابيع ماضية كانت تؤكد جميعها على ان انتصاب المكتب السياسي للحزب نهاية الاسبوع الفارط لم يكن سوى مسألة شكلية واجرائية في ظل الأغلبية التي أمكن لرئيس الحزب السيد منير الباجي حيازتها على حساب منافسه «حسني لحمر» والمتركبة أساسا من : جميل السعيدي (النائب في البرلمان) وشهاب الأرياني ومحمد الأنيس الأرياني (عضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي) والطاهر الكافي (كاتب رئيس الحزب) والسيدة سهام جبر (زوجة الباجي والعضو الجديد بالمكتب السياسي). وفي ظل انعدام موازين القوى وعدم وضوح مواقف بعض الأطراف لفائدة الكاتب العام لم تجد تدخلات كل من المنجي الخماسي ومحمد بوكثير نفعا بما ان القرار كان محسوما على الرغم من اشارة البعض الى أنه لم يقع احترام الاجراءات القانونية في دعوة الباجي للمكتب السياسي للاجتماع كمجلس تأديب من ذلك اعلام المعني وترك مجال زمني محدد للنظر في الملف. الحجة ونقيضها الحجة التي وردت كتأكيد على ارتكاب السيد حسني لحمر ل»مخالفة» (ثلب رئيس الحزب ومساسه بسمعة الحزب والنيل منه) يبدو انها في حاجة الى أكثر من قراءة، فالتصريحات التي أدلى بها المعني (والتي نقلت «الشروق» عددا منها) لم تحتو على أية اساءة أو ثلب بل كل ما حملته هو رغبة في الترشح لمنصب رئاسة الحزب بعد ان تم الاعلان عن موعد المؤتمر منذ ديسمبر 2004 . العارفون بشؤون التحرري لا يغادرون بهذا القرار عن الهوامش التي عرفها الحزب طيلة سنواته الماضية والتي تميزت بحسم الخلافات او «الطموحات» و»المنافسة» بآلية الطرد والتجميد مثلما حدث ذلك مع أكثر من عضو في المكتب السياسي والذين كان آخرهم السيد علي الشيخاوي (العضو في البرلمان سابقا) والذي قد تكون راودته بعض «الطموحات» في خلافة الباجي الذي لم يترك الفرصة على الدوام للضرب والطرد والتجميد وان كان دائما يصر على ان منهجيته هي «العودة الى المكتب السياسي لإصدار كل القرارات بشكل ديمقراطي». والأغرب من المفارقات التي عرفها الحزب الاجتماعي التحرري ان الكاتب العام المجمّد كان من أقوى مناصري الباجي خلال السنوات الفارطة بل انه قد تنازل عن ترشحه لرئاسة الحزب خلال المؤتمر الثاني لفائدة الباجي نفسه (!) وسبق للكاتب العام ان زكى جميع قرارات رئيس الحزب بما فيها طرد وتجميد أعضاء في الحزب (!). سيناريوهات كل السيناريوهات ستبقى مفتوحة وستتميز بعدد آخر من المفاجآت في ظل تقابل الآراء و»اشتداد المنافسة» ففي الوقت الذي ينطلق فيه الباجي ب»أريحية كبيرة» تجعله قادرا على اصدار كل القرارات متى شاء ومتى أراد ذلك سيسعى الكاتب العام حسني لحمر الى التحرك مدافعا عن قراءته للواقع داخل الحزب والذي يقول عنه أنه «واقع كارثي» لا يليق بحزب سياسي يرنو الى ممارسة الديمقراطية والارتقاء بالممارسة السياسية في البلاد نحو الأفضل. وفي الوقت الذي صرّح فيه الباجي ل»الشروق» ان أمر لحمر قد انتهى وأنه لم يعد بإمكانه اجراء اي نشاط بحكم التجميد الذي لحقه يؤكد حسني ل»الشروق» انه ماض في ترشحه لرئاسة الحزب وأن كل الاجراءات التي نفذها قانونية وشرعية وأن «التجميد المعلن عنه» خال من كل مصداقية وهو صادر عن وصاية و»قمع سياسي» وليس عن تجاوزات أو مخالفات واضحة، وأكد لحمر ل»الشروق» أن كل الذنب الذي قد يكون ارتكبه هو تصريحه برغبته في الترشح لرئاسة الحزب. «منّة إلاهيّة!» عديدون هم الذين خارج الحزب ومن بين المناضلين الذين تعرّضوا للطرد والتجميد سينظرون الى تجميد الكاتب العام على أنه «منّة إلاهية» سقطت بين أيديهم لمزيد الضغط والتحرك للدفع نحول اصلاح واقع الحزب والنهوض به مثلما صرّح بذلك ل»الشروق» السيد محسن النابلي منسق المجموعة الاصلاحية أو مثلما ورد ذلك على لسان السيد منذر ثابت (أحد مناضلي التحرري) الذي يرى أن ما حدث هو سيناريو لانقلاب جديد وهو مهزلة حقيقية مؤكدا ان المؤتمر لا يمكن ان يمر مثلما رتّب له الباجي بصفة انفرادية وفي وقت تتواجد فيه غالبية المناضلين خارج الأطر الرسمية ويفتقر فيه الحزب الى اي هيكلة واضحة. فهل هي بداية لأزمة جديدة؟ أم هي تواصل لتراكمات وملفات عرفها الحزب طيلة العقد الأخير؟