بيلباو الشروق من مبعوثنا الخاص نورالدين بالطيب: في مسرح باراكلدو بوسط مدينة بيلباو الاسبانية قدّم الفنان فاضل الجعايبي مساء الخميس الماضي مسرحية «جنون» في قاعة تتسع لحوالي ألفي شخص كان أغلبهم من الاسبان. فاضل الجعايبي وصل الى اسبانيا بمسرحية «جنون» بعد سلسلة من العروض في تونس وأفينيون وبرلين ومرسيليا والرباط والارجنتين وبولونيا وسويسرا اذ تعدّ هذه المسرحية من أكثر مسرحيات الجعايبي عرضا ليس في تونس فقط بل في ا لخارج أساسا فمنذ انطلاق عروضها في أول فيفري 2001 لم ينقطع الجعايبي عن عرضها اذ تلاقي اقبالا كبيرا من أوروبا وأمريكا اللاتينية خاصة. مسرحية «جنون» كتبتها جليلة بكار عن نص أصلي لناجية الزمني وضعت فيه تجربتها مع أحد «المرضى» المقيمين في الرازي ومن هذا النص الاقرب الى المذكرات انطلقت جليلة بكار لتصوغ نصا مسرحيا فيه الكثير من التداعي والحوار والشعر... قصة الشاب «نون» الذي نشأ في عائلة من قاع المجتمع التونسي نزحت الى المدينة لتضيع كل مرجعياتها وتغرق في الفقر والحرمان فتنتج «نون» المريض و»فا» المنحرف وفتيات يعملن في الدعارة «نون» يدفع ثمن سوء التربية الاجتماعية والعنف والقمع الذي مورس عليه في العائلة من الام والأب والأخ الأكبر... فيتحول الى شخص منطو علي ذاته يكره المرأة محب للقتل... أن هذه المسرحية الموجعة تطرح سؤالا ملحا عن علاقة الفرد بالمؤسسة بما هي عليه من قمع وكبت لحرية الفرد... فغياب الحوار ومنع الفرد من التعبير عن ذاته لا ينتج الا شخصا معاقا نفسيا مثل «نون». كما تدين المسرحية مناهج التحليل النفسي السائدة في المؤسسات الصحية لامراض النفسية التي تتعامل مع المريض كحالة يتحدثون عنها ولا يتحدثون معها، ولعل لهذا السبب كانت المسرحية حدثا فنيا ليس في تونس فقط بل في العالم ايضا لانها تخترق منطقة محرمة من التفكير اذ اخترقت المعالجة المسرحية للجعايبي من خلال هذه المسرحيات كل المقدسات والبديهيات في الطب النفسي. الترجمة مسرحية «جنون» في مسرح باراكلدو رافقتها ترجمة فورية بالاسبانية وهي ترجمة مكتوبة على شاشة الكترونية في أعلى ستار الركح... لهذا السبب لم يكن هناك أي مشكل في تواصل الجمهورالاسباني مع هذه المسرحية إضافة الى ان الاحاءات والاشارات المسرحية والديكور والاضافة لا تحتاج الى ترجمة لانها نابعة من الوجدان الانساني. صفّق الجمهور الاسباني طويلا لمسرحية «جنون» وكان محمد علي بن جمعة متميزا في أدائه في هذه المسرحية التي أثبت من خلالها في كل عرض انه ممثل سيكون له شأن كبير في المستقبل اما جليلة بكار ورغم الوعكة الصحية التي انتابتها فكانت رائعة كعادتها ولم تزدها السنوات الا تألقا وابداعا على الخشبة. «جنون» أكدت مرة أخرى أصالة التجربة المسرحية التونسية وتفردها.