«سنعاقب فرنسا ونتجاهل ألمانيا ونغفر لروسيا» هل تذكرون هذا التصريح.. إنه لغنزاليزا رايس.. كان ذلك أيام الجدل حول شرعية غزو العراق.. ومرّت الأيام.. غزو ودمار وأبو غريب واخوانه والأهم هو أنه لم يعثر على أسلحة دمار شامل ولا على أدلة تؤكد علاقة العراق بالقاعدة.. كل ما حصل هو أن الجيش الأمريكي فقد شرف الجندية وفقدت أمريكا مصداقيتها ودفعت مزيد الأفواج الى معسكر التطرف وقسمت ظهر المعتدلين وأعطت عذرا للباحثين عن التسلح النووي لحماية أنفسهم من قوة عظمى باطشة لا تعترف بالقانون الدولي.. مرّت الأيام حافلة بصناديق الموتى.. تلك التي لا نراها لأنها أمريكية وتلك التي نراها لأنها عراقية.. إلى أن وصلنا الى صناديق الاقتراع في مدينة الأشباح.. تحت سماء رصاصية.. قالوا ان العراقيين صوّتوا.. وقدموا أرقاما خيالية.. العراقيون تحت التهديد بالموت وتحت الحظر والطوارئ كان عددهم أكثر من العراقيين الذين صوتوا في عواصم غربية في كنف الأريحية والزهو.. هل يعقل هذا؟ المهم هو الصور.. صور العراقي وهو يصوت حتى ننسى صور القمر الصناعي لأسلحة الدمار الشامل.. وصور التعذيب في أبوغريب وصور العراقي الواقف في الطابور!.. والطابور في كل مكان عند محطات البنزين وفي مداخل المقابر.. «سنعاقب فرنسا ونتجاهل ألمانيا ونغفر لروسيا».. فجأة نسي الأمريكان هذه التصريحات.. بوش يهاتف شيراك وشرويدر.. فجأة اكتشف بوش أن أوروبا العجوز.. ليست عجوزا تماما وأنه مازال فيها بقايا من جمال الصّبا.. أوروبا العجوز لم تقم بجراحة تجميلية ولم تشد النهدين والجفنين وترهل البطن.. ما تغير هو نظر بوش.. لقد أصابه الحول في العراق.. كانت هناك مسافة بينه وبين شيراك وشرويدر فتقاسموها.. هما رحبا بالانتخابات المهزلة وهو كلف نفسه مبادرة إعادة الحرارة إلى الخط الرابط بينهما.. أما العراق فله ربّ يحميه.. كل هذا كان منتظرا لأن المصالح تتصالح وفي النهاية، العراق ليس إلا بحرا من النفط في عيون شفاطي الدّماء والبترول.. وأنا أنصح العرب بأن لا يفرحوا كثيرا لأن ما جرى للعراق سابقة تشرّع للقادم من مبادرات خيّرة تسمّي الاحتلال تحريرا وتسمّى اسقط الأنظمة بالسلاح ديمقراطية لتولي الخونة وتضع الوطنيين في قائمة الإرهاب.. وهذا على الحساب.