لم يعد خافيا ان الأممالمتحدة تعيش حالة من الاحتلال تجلت في تبنيها قرارات تفتقد للمصداقية والنجاعة. ومثل هذه الحالة عبر عنها وزير الخارجية السوري فاروق الشرع حين قال ان القرار الأممي رقم 1559 كان سببا في توتر الوضع في لبنان ودعا الأممالمتحدة إلى الالتزام بميثاقها وإلى معاملة جميع الدول على قدم المساواة وإلى الحرص على تطبيق قرارات مجلس الأمن بنفس الحماسة التي تبديها إزاء هذا القرار. هذه التصريحات أغضبت مبعوث الأممالمتحدة المكلف بالسهر على تطبيق القرار 1559 تيري رود لارسن، وما كان عليه أن يفعل. فالواقع ان وزير الخارجية السوري لم يقل سوى الحق ولم يعبر إلا عن واقع الهيئة الأممية التي استفحل أمرها وباتت تفقد مصداقيتها وتمارس عملية هدم ذاتي بانحرافها عن الأهداف التي بعثت من أجلها والتزمت بتحقيقها. ولئن اتخذت الأممالمتحدة عبر تاريخها مواقف مشبوهة من بعض القضايا وعالجت بعض المسائل بأساليب تبعث على الريبة والتعجب أحيانا فإن ما أتته خلال السنوات الماضية من ظلم وحيف بشأن القضايا العربية مثل تحوّلا غير مسبوق في مسارها، فكان صمتها القاتل بمثابة الضوء الأخضر لشن العدوان على العراق ومن ثمة صارت قراراتها ومواقفها مقياسا لحجم التطرف الذي بلغته الادارة الأمريكية. وبعد ان دمّر العراق ظلما وبهتانا وصارت المنظمة الأممية أداة أشد طواعية في يد الادارة الأمريكية لم يعد غريبا ان تعين الأممالمتحدة مبعوثا خاصا مكلفا بالسهر على تطبيق قرار أصدره مجلس الأمن الدولي بكثير من التواطؤ، بل أنتجته طفرة من التوافق الأمريكي الفرنسي (والكبار يعرفون مصالحهم وحدود خلافاتهم) وتتناسى عشرات القرارات التي اتخذت بشأن اسرائيل مثلا، والتي تطالبها بكل لطف بالانسحاب إلى آخر نقطة كانت عندها قبل آخر عدوان، وما إلى ذلك من المطالب البسيطة التي يفقدها «الفيتو» الأمريكي في كل مرة جدواها. وبات من الطبيعي والحال تلك ان تنخرط الأممالمتحدة في لعبة التحريض والدعاية الهادفة إلى تشويه صورة سوريا ووصف قواتها المنتشرة في لبنان بموجب اتفاق الطائف بأنها قوات احتلال ونعت موقفها المؤيد للمقاومة في العراق وفلسطين ولبنان بأنه «دعم للارهاب»، والدليل على ذلك ان مبعوث الأممالمتحدة السيد لارسن تحرج كثيرا لمجرد تذكيره بأن مهمة الأممالمتحدة ينبغي أن تكون أنبل من ذلك بأن تسعى في تهدئة كل توتر وتسهم في ارساء الاستقرار حيث الفوضى والسلم حيث الحرب. وما كان للسيد لارسن أن يغضب ويقاطع الصحفيين عقب لقائه بوزير الخارجية السوري لأن ذلك قد لا يليق بديبلوماسي كبير مثله، فقد كان حريا به أن يغلب المنطق وينتصر إلى العدل، لأن كلمة الحق مرّة، وموجعة في أغلب الأحيان، لكن عظمة الانسان تكمن في مدى قدرته على تجرّع تلك المرارة وتحملها انتصارا لانسانيته.