قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : من يبايع؟ فقال ثوبان : بايعنا يا رسول الله. فقال عليه الصلاة والسلام : على أن لا تسأل أحدا شيئا. فقال : فما له ؟ قال : الجنة ثوبان. قال أحدهم : فلقد رأيته بمكة في جميع ما يكون من الناس يسقط سوطه وهو راكب، فربما وقع على عاتق رجل، فيأخذه الرجل فيتناوله فما يأخذه حتى يكون هو ينزل فيأخذه. ان العهد في عهد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم له قداسة واحترام، ينفذ كما هو بحذافيره من دون زيادة أو نقصان، لأن الكلمة لها احترامها، وأن الرجال اذا عاهدوا وفوا بعهودهم. هذا الرجل ثوبان رضي الله عنه بايع الرسول عليه الصلاة والسلام على شيء وهو أن لا يسأل أحدا شيئا، فبقي طول حياته ملتزما بما بايع عليه الرسول، لم ينسه ولا مرة واحدة ولم ينقضه ولا في حالة واحدة، ولم يتهاون به ولو في يوم ما، انه عهد الرجال حين يعاهدون. ان الثمن الذي قبضه ثوبان من رسول الله هو الجنة، والجنة غالية عنده محببة إلى قلبه، فعينه عليها لا تتحول وكلما حدثته نفسه بمخالفة ما عاهد عليه الرسول توقدت نفسه شوقا إلى الجنة فكظمها وفطمها عما تشتهي، لأن النفس امارة بالسوء والشيطان مترصد له يريد اهلاكه والايقاع به لكن ثوبان على تذكر دائم للجنة ولما عاهد عليه الرسول صلى الله عليه وسلم. حينما علم الله الصدق في تنفيذ ما عاهدوا عليه اثنى الله عليهم، وخلد هذه الخصلة فيهم فقال : (رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه) فحقا كانوا كذلك ما غيروا وما بدلوا. إن الإسلام قام على أكتاف هؤلاء المؤمنين، الذين نفذوا عهد الله وعهد الرسول من أول يوم من إسلامهم، فلم يكن لهم طريقان في حياتهم، طريقة في السر وطريقة في العلانية، ولا تختلف في حالة الغنى والفقر، ولا في حال الشباب والشيخوخة. ولا في حالة المنصب وعدمه، ولا في حالة الحب والبغض، بل كانوا على منهاج واحد وسيرة واحدة، وهو الالتزام الصادق بما التزموا به من غير تبديل أو انحراف عن منهجه. قال أحد العلماء : لو كان أبو جهل على شاكلة أخلاقنا اليوم لا سلم من أول يوم، فيمكن أن يطيع الله في يوم ويعصيه في آخر، ويفعل ما شاء حينما تصطدم مصالحه مع تشريع الله خلع عن نفسه كل أثواب الجاهلية ولبس لباسا آخر، ففعله وقوله واعتقاده كله بعد اليوم من مشكاة النبوة فقط. كم نحن بحاجة إلى هذا الموقف السامي من ثوبان رضي الله عنه، اذ نعيش حالة الصدق في العهد بكل صرامة من غير تردد ويكون في المواقف، وان الذي يتهاون في أمر واحد يمكن أن يتهاون في عشرة بل مئة وان ثوبان عزم على تنفيذ أمر الرسول، فلم يحرمه ولو مرة واحدة، ولم يسأل أحدا شيئا ولو كان قليلا جدا، ولو أن يناوله أحد سوطه. نعم، غدا ثوبان بعد المعاهدة له لون واحد، وطريق واحد، فكان له اسم واحد وهو : الصدق في العهد.