انخفاض في جرحى حوادث المرور    مناقشة مقترح النظام الاساسي للصحة    مصطفى عبد الكبير: "معلومات شبه مؤكدة بوجود المفقودين في مركب هجرة غير نظامية غادر سواحل صفاقس الاثنين الماضي، في التراب الليبي"    بوعرقوب: انطلاق موسم الهندي الأملس    مصر تعلن تَأَثّرها بالهجوم السيبراني على مطارات أوروبا    رابطة الأبطال ...الترجي بخبرة الكِبار والمنستير لاسعاد الأنصار    كاس الكنفدرالية: الملعب التونسي يفوز على الجمعية الثقافية نواذيبو الموريتانية 2-صفر    تونس تشارك في بطولة العالم لألعاب القوى لحاملي الاعاقة بالهند من 26 سبتمبر الى 5 اكتوبر ب11 متسابقا    منوبة : انتشال جثتى شقيقين حاولا انقاذ كلبة من الغرق    أولا وأخيرا... سعادتنا على ظهور الأمّهات    تونس ضيف شرف مهرجان بورسعيد السينمائي الدولي: درة زروق تهدي تكريمها إلى فلسطين    في تظاهرة غذائية بسوسة ...«الكسكسي» الطبق الذي وحّد دول المغرب العربي    عاجل: إيقاف اكثر من 20 ''هبّاط'' في تونس    وزير خارجية ألماني أسبق: أوروبا مجبرة على التفاوض مع تونس بشأن ملف الهجرة    عاجل: إنهيار سقف اسطبل يتسبب في وفاة شاب وإصابة آخر    عاجل: الأمطار تعمّ أغلب مناطق تونس خلال الفترة القادمة    العائلة والمجتمع: ضغوط تجعل الشباب التونسي يرفض الزواج    الكاف.. معرض لمنتوجات المجامع الفلاحية    شبهات فساد تُطيح بموظّفين في بنك الدم بالقصرين: تفاصيل    عاجل: شيرين عبد الوهاب أمام القضاء    جمال المدّاني: لا أعيش في القصور ونطلع في النقل الجماعي    كل نصف ساعة يُصاب تونسي بجلطة دماغية...نصائح لإنقاذ حياتك!    التيار الشعبي يدعو الى المشاركة في اضراب عالمي عن الطعام دعما لغزة    التنس: تأهل معز الشرقي الى نهائي بطولة سان تروبيه للتحدي    كرة اليد: منتخب الصغريات يتأهل إلى نهائي بطولة افريقيا    بنزرت: تنفيذ اكثر من 80 عملية رقابية بجميع مداخل ومفترقات مدينة بنزرت وتوجيه وإعادة ضخ 22,6 طنا من الخضر والغلال    مسرحية "على وجه الخطأ تحرز ثلاث جوائز في مهرجان صيف الزرقاء المسرحي العربي    "أمامكم 24 ساعة فقط".. كبرى الشركات الأمريكية توجه تحذيرا لموظفيها الأجانب    تحذير هام: تناول الباراسيتامول باستمرار يعرّضك لهذه الأمراض القاتلة    عاجل: وفاة عامل بمحطة تحلية المياه تابعة للصوناد في حادث مرور أليم    هذا ما تقرّر ضد فتاة أوهمت شبّانا بتأشيرات سفر إلى الخارج.. #خبر_عاجل    معاناة صامتة : نصف معيني مرضى الزهايمر في تونس يعانون من هذه الامراض    زغوان: غلق مصنع المنسوجات التقنية "سيون" بالجهة وإحالة 250 عاملا وعاملة على البطالة    سليانة: وضع 8 ألاف و400 قنطار من البذور منذ بداية شهر سبتمبر    رابطة الأبطال الافريقية: الترجي الرياضي والاتحاد المنستيري من أجل قطع خطوة هامة نحو الدور الثاني    كتائب القسام تنشر "صورة وداعية" للأسرى الإسرائيليين إبان بدء العملية في غزة    غدا الأحد: هذه المناطق من العالم على موعد مع كسوف جزئي للشمس    الاحتلال الإسرائيلي يغتال عائلة مدير مجمع الشفاء في غزة    عاجل/ بشائر الأمطار بداية من هذا الموعد..    بنزرت: حجز أطنان من اللحوم والمواد الغذائية المخزّنة في ظروف غير صحية    تكريم درة زروق في مهرجان بورسعيد السينمائي    عاجل/ ترامب يُمهل السوريين 60 يوما لمغادرة أمريكا    لكلّ من فهم بالغالط: المغرب فرضت ''الفيزا'' على هؤلاء التوانسة فقط    صرف الدفعة الأولى من المساعدات المالية بمناسبة العودة المدرسية في هذا الموعد    الكاف: قافلة صحية تحت شعار "صحتك في قلبك"    أكثر من 100 ألف تونسي مصاب بالزهايمر ومئات الآلاف من العائلات تعاني    لماذا يضعف الدينار رغم نموّ 3.2 بالمائة؟ قراءة معمّقة في تحليل العربي بن بوهالي    "يوتيوب" يحظر حساب مادورو    عاجل/ عقوبة سجنية ضد الشاب الذي صوّب سلاحا مزيّفا تجاه أعوان أمن    بعد موجة من الانتقادات.. إيناس الدغيدي تلغي حفل زفافها وتكتفي بالاحتفال العائلي    اليوم: استقرار حراري وأمطار محدودة بهذه المناطق    القيروان.. 7 مصابين في حادث مرور    استراحة «الويكاند»    عاجل/ البنك التونسي للتضامن: إجراءات جديدة لفائدة هؤلاء..    ما تفوتهاش: فضائل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة!    الرابطة المحترفة الاولى : حكام مباريات الجولة السابعة    وخالق الناس بخلق حسن    يا توانسة: آخر أيام الصيف قُربت.. تعرف على الموعد بالضبط!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ملف: وداعا فدوى طوقان


وداعا فدوى...
وداعا فتاة نابلس...
وداعا يا أخت ابراهيم...
ها ان البيت الشعري العربي يفتقد احدى علاماته وها أن ذاكرة الجيل تفقد رمزا اخر...
وكم يفقد هذا الجيل الآن، تلك الوجوه التي تربى عليها وشبّ عليها وأحبّها وآلفها...
ها نحن نفقد صوتا آخر من أصوات الحرية والكرامة، من تلك الأصوات التي حملت عبء القضية وجالت بها في أصقاع العالم... وها أن الغصن بدأ يفقد الكثير من ثماره..
بعد نزار قباني وعبد الوهاب البياتي وادوارد سعيد ومحمد شكري ها أن الشارع الأدبي العربي يفقد صوتا أدبيا كبيرا ظل على مدى العقود الأخيرة يكتب للانسان الفلسطيني والعربي ويعبّر عن همومه. وها نحن في موكب وداعنا لفدوى طوقان نقلب أوراقها وقصائدها في مرّة لن تكون الأخيرة لأن تجربة فدوى طوقان التي بدأت مع الاصدارات بديوانها «وحدي مع الأيام» سنة لن تنسى بسهولة بل تستحق الدرس...
ها قد رحلت وأمنيتها الشعرية لم تتحقق.. ها قد رحلت وصوتها في الصدى مازال يردّد:
«لو بيدي
أن اجتث شروش الظلم
وأجفّف في هذا الكوكب
أنهار الدم
لو أني أملك لو بيدي
أن أرفع للإنسان المتعب
في درب الحيرة والأحزان
قنديل رخاء واطمئنان
أن أمنحه العيش الآمن
لكن ما بيدي شيء
الا لكن»
*** فدوى طوقان ويوميات الوطن المغتصب
تعتبر فدوى طوقان من شعراء الداخل الفلسطيني وهم من تميّزوا بقربهم من الواقع اليومي ويمكن القول أن تجربتها الشعرية قد اختلفت في تناولها للقضية على عدد هام من الشعراء. ففي قصائدها لا نجد تلك الشحنة الصارخة المهدّدة المهيّجة للجماهير مثلما نجد ذلك في قصائد درويش القديمة بل نجد نوعا آخر من الخطاب الشعري الذي ينهض بنفس الوظائف الوطنية ولكن بصوت أكثر هدوءا ورقّة.. فالشاعرة ظلت تخاطب العالم من موقعها كأنثى، تستخدم «الماكياج» اللغوي وتضفي على قصائدها عطر الأنوثة وتظهر في حالات عشق قصوى. وقد وظفت هذا الجانب في تعاملها مع قضية شعبها.
وإن لم تختلف الشاعرة في قصائدها عن الآخرين من حيث الغايات والأهداف، فإن أسلوبها قد تميز نوعا ما إذ حاولت أن تنطلق من الواقع الفلسطيني اليومي وتغوص في معاناة المشردين واللاجئين ومن يتعرّضون للتعنيف والظلم.
وإذا كان هذا الواقع يحمل بعدا تأثيريا ومن شأنه التأثير على المتقبل واستفزاز مشاعره الانسانية فإن الشاعرة اتخذت في قصائد عديدة لها أسلوبا من شأنه الاقتراب من العاطفة الانسانية وهو أسلوب الحكاية ان تبدو قصائدها متوفّرة على بعد سردي ومبنية بطريقة تتعاقب فيها الأحداث بطريقة حكائيّة.
ولقد كانت قصائد الشاعرة بهذا الأسلوب عبارة عن رسائل من أجل الوطن، فالقصيدة الواحدة تتجه الى العالم لتذكره بمأساة الشعب الفلسطيني الانسانية والى العرب لتذكرهم بتخلّفهم وعدم نجدتهم للشعب الفلسطيني والى الفلسطينيين أنفسهم لتثير أحاسيسهم وتدفعهم للتحدي.
ولعل الاطلاع على نماذج مختلفة من تجربة هذه الشاعرة يؤكد هذه الملاحظات التي ذهبنا إليها وسوف يكتشف القارئ أن ما أشرنا اليه يتوزع بين هذه المجموعة من القصائد التي تولينا عرضها وتحليلها.
I مع لاجئة في العيد :
صورة اللاجئين ليست بالغريبة عن الشعر العربي، فالذاكرة تحفظ قصائد أبي فراس وابن رشيق والحصري وهم في حالات بعد وأسر خارج مدنهم وهي تذكر كذلك قصائد السيّاب التي تصوّر هذا الاغتراب الفلسطيني. ولم تتجاوز فدوى طوقان هذه الصورة المؤثرة صورة اللاجئة وأضافت لها إطارا زمنيا وحضاريا محدّدا هو العيد لتحمل رسالة الى العالم وتثير الشفقة الانسانية وتكشف رداءة الوضع الانساني وتنبه الى التجاهل الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني وتبدأ القصيدة بتصوير اللاجئة:
«أختاه، هذا العيد رف سناه في روح الوجود وأشاع في قلب الحياة بشاشة الفجر السعيد وأراك ما بين الخيام قبعت تمثالا شقيّا متهالكا يطوي وراء جموده ألما عتيّا يرنو الى اللاشيء... منسرحا مع الأفق البعيد» وتحاول النفاذ الى هذه اللاجئة من داخل وتصور ما في ذاتها
«أختاه مالك ان نظرت الى جموع العابرين
ولمحت أسراب الصبايا من بنات المترفين
من كل راقصة الخطى كادت بنشوتها تطير
العيد يضحك في محياها ويلتمع السرور
أطرقت واجمة كأنك صورة الألم الدفين»
وتمضي الشاعرة فدوى طوقان الى تصوير الذكريات التي حرم منها الانسان الفلسطيني وتصوير حالة الشقاء التي يعيشها
«أترى ذكرت مباهج الأعياد في يافا الجميلة
أهفت بقلبك ذكريات العيد أيام الطفولة
ان أنت كالحسون تنطلقين في زهو غريز»
وتضيف مشيرة الى بؤس الواقع وما فيه من ألم والى ما تعرض له الانسان الفلسطيني من طرد وقمع واغتصاب لوطنه لوجدانه:
«واليوم ماذا غير الذكريات ونارها
واليوم ماذا غير قصة بؤسكنّ وعارها
لا الدار دار لا ولا كالأمس
هذا العيد عيد
هل يعرف الأعياد أو أفراحها روح طريد
عان تقلبه الحياة على جحيم قفارها
أختاه هذا العيد عيد المترفين الهانئين
عيد الآلي بقصورهم وبروجهم متنعمين
عيد الآلي لا العار حركهم ولا ذل المصير
فكأنهم جثث هناك بلا حياة أو شعور
أختاه، لا تبكين فهذا العيد عيد الميتين».
والمتأمل في هذه القصيدة يلاحظ أنها تعالج المأساة من جانب يومي واجتماعي وبعيدا عن الخطاب السياسي.. إنها تجسّد مأساة اللاجئين بما فيها من بعد انساني ولعل اختيار مناسبة العيد محاولة لتذكير العالم العربي الذي يعيش ترف العيد ومباهجه بمأساة الفلسطينيين...
II لن أبكي
هذه قصيدة مهداة الى جمع من الشعراء الفلسطينيين وتبدأ بالوقوف على أطلال الماضي الفلسطيني
«على أبواب يافا يا أحبائي
وفي فوض حطام الدور
بين الردم والشوك
وقفت وقلت للعينين يا عينين
قفا نبك على أطلال من رحلوا وفاتوها
تنادي من بناها الدار
وتنعى من بناها الدار...»
وهي تتجه مباشرة الى رسم الصورة المعاكسة.. صورة ضياع الأهل وحلول الغرباء وهو ما يؤلم المواطن الفلسطيني.
«وكان هناك جمع البوم والأشباح
غريب الوجه واليد واللسان وكان
يحوم في حواشيها
يمدّ أصوله فيها
وكان الآمر الناهي
وكان... وكان...
وغص القلب بالأحزان»
وتمر الشاعرة من هذه الصورة التي تحيل على الاحتلال الغاشم الى صورة أخرى تحيل على المقاومة وارادة الشعب فتنطق بلغة بين الخبر والانشاء معلنة عن استفاقة الشعب واستعداده لتحرير بلاده.
«أحبائي، حصان الشعب جاوز
كبوة الأمس
وهب الشهم منتفضا وراء النهر
أصيخوا، ها حصان الشعب
يصهل واثق النهمة
ويفلت من حصار النحس والعتمه»
ويعدو نحو مرفئه على الشمس
وتلك مواكب الفرسان ملتمّة
تباركه وتفديه
ومن ذوب العقيق ومن
دم المرجان تسقيه...»
وتضيف مشيرة الى الاصرار الفلسطيني والى إيمانها بقضية شعبها:
«ونهتف بالحصان الحر: عدوايا
حصان الشعب
فأنت الرمز والبيرق
ونحن وراءك الفيلق
ولن يرتدّ فينا المدّ والغليان والغضب
ولن ينداح في الميدان
فوق حياهنا التعب
ولن نرتاح، لن نرتاح
حتى نطرد الأشباح
والغربان والظلمة»
فالشاعرة في هذه القصيدة تجمع تصوير ما تعرض له الشعب الفلسطيني من احتلال لتبرّر مقاومته وبين استنهاض الهمم وأبرز حماسها وحماس شعبتها لقضيته وهي بذلك تؤكد قوة هذا الشعب وتحاول تجسيدها في صور الحصان وهذه الصورة تحيل على وظيفة الخيل في الصراعات العربية القديم ومن شأنها إثارة النخوة العربية.
III حمزة :
تحاول هذه القصيدة ان تصور طيبة الانسان الفلسطيني وتكشف أن غضبه ونضاله من أجل وطنه وذاته وتصور عمق ما يتعرّض له من عذاب واعتداء على حرماته الشخصية من خلال توظيف ظاهرة هدم المنازل التي يقوم بها الاحتلال. وقد عبرت عن هذه الفكرة من خلال قصيدة سردية تبدأ فيها بتصوير حمزة على أساس أنه انسان مسالم.
«كان حمزة
واحدا من بلدتي كالآخرين
طيبا يأكل خبزه
بيد الكدح
كقومي البسطاء الطيبين»
ثم تمرّ الى الحدث الذي تحركت به القصيدة وهو تعرّض حمزة الى الظلم:
«كانت الخمسة والستون عام
صخرة صمّاء تستوطن ظهره
حين ألقى حاكم البلدة أمره
انسفوا الدار وشدّوا
ابنه في غرفة التعذيب»
ألقى حاكم البلدة أمره
ثم قام
يتغنى بمعاني الحب والأمن
واحلال السلام»
ثم تصور في رحلة لاحقة عملية الهدم وما رافقها من تحدي كان بطله المواطن الفلسطيني المصرّ على تحرير وطنه.
«فتح الشرفات حمزة
تحت عين الجند للشمس وكبّر
ثم نادى :
يا فلسطين اطمئني
أنا والدار وأولادي قرابين خلاصك
نحن من أجلك نحيا ونموت
وسرت في عصب البلدة هزّة
حينماردّ الصدى صرخة حمزة
وطوى الدار خشوع وسكوت»
ونستنتج من هذه القصيدة ثنائية المقصد فالشاعرة تهدف الى ابراز المواطن الفلسطيني كمظلوم ومستهدف من جهة ومتحدّ وصامد في سبيل وطنه من جهة ثانية ولا يخفى أن هذه القصيدة تحمل خطابا الى طرفين: الخارج الفلسطيني الذي عليه أن يعرف المعاناة والداخل الفلسطيني الذي يتوجب تحريضه على الاستبسال والصمود.
VI حكاية أخرى أمام شباك التصاريح :
تتطرق هذه القصيدة الى معاناة أخرى من معاناة الفلسطينيين ألا وهي الحواجز التي تفصل بين الأهل والتي يصنعها الاحتلال بين الجهات من خلال اقامته لشبابيك التصاريح ومنعه للعبور وتصور حكاية امرأة تمنع من زيارة طفلتها فتسرد الحكاية:
«أمس يا حبة عيني
فاض بي شوق الى مرآك، شوق لا يصور
فتجهزت بتصريح لكي يأذن ضباط وعسكر
بعبوري نهرنا الغافي على حلم التحرر
ولدى الشباك في الجسر انتظرت الدور في صمت وفي صبر
حان دوري فتقدمت أحث الخطى جذلى
ولتعسي
رد لي الجندي تصريحي وأقصاني بعيدا وتأمّر
أرجعي من حيث أقبلت
لماذا؟
ارجعي من حيث أقبلت وزمجر»
وتنتقل من هذه الحادثة لتصور ما يشعر به المواطن الفلسطيني من قهر وظلم ووحدة وعدم وجود الدعم العربي :
«أي وربي لم أعد أفهم شيئا
غير كوني
في زمان اليتم والحكم اليهودي المقدر
ليس لي معتصم يأتي فيثأر
لا ولا خالد في اليرموك يظهر»
*** فدوى طوقان ويوميات الوطن المغتصب
تعتبر فدوى طوقان من شعراء الداخل الفلسطيني وهم من تميّزوا بقربهم من الواقع اليومي ويمكن القول أن تجربتها الشعرية قد اختلفت في تناولها للقضية على عدد هام من الشعراء. ففي قصائدها لا نجد تلك الشحنة الصارخة المهدّدة المهيّجة للجماهير مثلما نجد ذلك في قصائد درويش القديمة بل نجد نوعا آخر من الخطاب الشعري الذي ينهض بنفس الوظائف الوطنية ولكن بصوت أكثر هدوءا ورقّة.. فالشاعرة ظلت تخاطب العالم من موقعها كأنثى، تستخدم «الماكياج» اللغوي وتضفي على قصائدها عطر الأنوثة وتظهر في حالات عشق قصوى. وقد وظفت هذا الجانب في تعاملها مع قضية شعبها.
وإن لم تختلف الشاعرة في قصائدها عن الآخرين من حيث الغايات والأهداف، فإن أسلوبها قد تميز نوعا ما إذ حاولت أن تنطلق من الواقع الفلسطيني اليومي وتغوص في معاناة المشردين واللاجئين ومن يتعرّضون للتعنيف والظلم.
وإذا كان هذا الواقع يحمل بعدا تأثيريا ومن شأنه التأثير على المتقبل واستفزاز مشاعره الانسانية فإن الشاعرة اتخذت في قصائد عديدة لها أسلوبا من شأنه الاقتراب من العاطفة الانسانية وهو أسلوب الحكاية ان تبدو قصائدها متوفّرة على بعد سردي ومبنية بطريقة تتعاقب فيها الأحداث بطريقة حكائيّة.
ولقد كانت قصائد الشاعرة بهذا الأسلوب عبارة عن رسائل من أجل الوطن، فالقصيدة الواحدة تتجه الى العالم لتذكره بمأساة الشعب الفلسطيني الانسانية والى العرب لتذكرهم بتخلّفهم وعدم نجدتهم للشعب الفلسطيني والى الفلسطينيين أنفسهم لتثير أحاسيسهم وتدفعهم للتحدي.
ولعل الاطلاع على نماذج مختلفة من تجربة هذه الشاعرة يؤكد هذه الملاحظات التي ذهبنا إليها وسوف يكتشف القارئ أن ما أشرنا اليه يتوزع بين هذه المجموعة من القصائد التي تولينا عرضها وتحليلها.
I مع لاجئة في العيد :
صورة اللاجئين ليست بالغريبة عن الشعر العربي، فالذاكرة تحفظ قصائد أبي فراس وابن رشيق والحصري وهم في حالات بعد وأسر خارج مدنهم وهي تذكر كذلك قصائد السيّاب التي تصوّر هذا الاغتراب الفلسطيني. ولم تتجاوز فدوى طوقان هذه الصورة المؤثرة صورة اللاجئة وأضافت لها إطارا زمنيا وحضاريا محدّدا هو العيد لتحمل رسالة الى العالم وتثير الشفقة الانسانية وتكشف رداءة الوضع الانساني وتنبه الى التجاهل الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني وتبدأ القصيدة بتصوير اللاجئة:
«أختاه، هذا العيد رف سناه في روح الوجود وأشاع في قلب الحياة بشاشة الفجر السعيد وأراك ما بين الخيام قبعت تمثالا شقيّا متهالكا يطوي وراء جموده ألما عتيّا يرنو الى اللاشيء... منسرحا مع الأفق البعيد» وتحاول النفاذ الى هذه اللاجئة من داخل وتصور ما في ذاتها
«أختاه مالك ان نظرت الى جموع العابرين
ولمحت أسراب الصبايا من بنات المترفين
من كل راقصة الخطى كادت بنشوتها تطير
العيد يضحك في محياها ويلتمع السرور
أطرقت واجمة كأنك صورة الألم الدفين»
وتمضي الشاعرة فدوى طوقان الى تصوير الذكريات التي حرم منها الانسان الفلسطيني وتصوير حالة الشقاء التي يعيشها
«أترى ذكرت مباهج الأعياد في يافا الجميلة
أهفت بقلبك ذكريات العيد أيام الطفولة
ان أنت كالحسون تنطلقين في زهو غريز»
وتضيف مشيرة الى بؤس الواقع وما فيه من ألم والى ما تعرض له الانسان الفلسطيني من طرد وقمع واغتصاب لوطنه لوجدانه:
«واليوم ماذا غير الذكريات ونارها
واليوم ماذا غير قصة بؤسكنّ وعارها
لا الدار دار لا ولا كالأمس
هذا العيد عيد
هل يعرف الأعياد أو أفراحها روح طريد
عان تقلبه الحياة على جحيم قفارها
أختاه هذا العيد عيد المترفين الهانئين
عيد الآلي بقصورهم وبروجهم متنعمين
عيد الآلي لا العار حركهم ولا ذل المصير
فكأنهم جثث هناك بلا حياة أو شعور
أختاه، لا تبكين فهذا العيد عيد الميتين».
والمتأمل في هذه القصيدة يلاحظ أنها تعالج المأساة من جانب يومي واجتماعي وبعيدا عن الخطاب السياسي.. إنها تجسّد مأساة اللاجئين بما فيها من بعد انساني ولعل اختيار مناسبة العيد محاولة لتذكير العالم العربي الذي يعيش ترف العيد ومباهجه بمأساة الفلسطينيين...
II لن أبكي
هذه قصيدة مهداة الى جمع من الشعراء الفلسطينيين وتبدأ بالوقوف على أطلال الماضي الفلسطيني
«على أبواب يافا يا أحبائي
وفي فوض حطام الدور
بين الردم والشوك
وقفت وقلت للعينين يا عينين
قفا نبك على أطلال من رحلوا وفاتوها
تنادي من بناها الدار
وتنعى من بناها الدار...»
وهي تتجه مباشرة الى رسم الصورة المعاكسة.. صورة ضياع الأهل وحلول الغرباء وهو ما يؤلم المواطن الفلسطيني.
«وكان هناك جمع البوم والأشباح
غريب الوجه واليد واللسان وكان
يحوم في حواشيها
يمدّ أصوله فيها
وكان الآمر الناهي
وكان... وكان...
وغص القلب بالأحزان»
وتمر الشاعرة من هذه الصورة التي تحيل على الاحتلال الغاشم الى صورة أخرى تحيل على المقاومة وارادة الشعب فتنطق بلغة بين الخبر والانشاء معلنة عن استفاقة الشعب واستعداده لتحرير بلاده.
«أحبائي، حصان الشعب جاوز
كبوة الأمس
وهب الشهم منتفضا وراء النهر
أصيخوا، ها حصان الشعب
يصهل واثق النهمة
ويفلت من حصار النحس والعتمه»
ويعدو نحو مرفئه على الشمس
وتلك مواكب الفرسان ملتمّة
تباركه وتفديه
ومن ذوب العقيق ومن
دم المرجان تسقيه...»
وتضيف مشيرة الى الاصرار الفلسطيني والى إيمانها بقضية شعبها:
«ونهتف بالحصان الحر: عدوايا
حصان الشعب
فأنت الرمز والبيرق
ونحن وراءك الفيلق
ولن يرتدّ فينا المدّ والغليان والغضب
ولن ينداح في الميدان
فوق حياهنا التعب
ولن نرتاح، لن نرتاح
حتى نطرد الأشباح
والغربان والظلمة»
فالشاعرة في هذه القصيدة تجمع تصوير ما تعرض له الشعب الفلسطيني من احتلال لتبرّر مقاومته وبين استنهاض الهمم وأبرز حماسها وحماس شعبتها لقضيته وهي بذلك تؤكد قوة هذا الشعب وتحاول تجسيدها في صور الحصان وهذه الصورة تحيل على وظيفة الخيل في الصراعات العربية القديم ومن شأنها إثارة النخوة العربية.
III حمزة :
تحاول هذه القصيدة ان تصور طيبة الانسان الفلسطيني وتكشف أن غضبه ونضاله من أجل وطنه وذاته وتصور عمق ما يتعرّض له من عذاب واعتداء على حرماته الشخصية من خلال توظيف ظاهرة هدم المنازل التي يقوم بها الاحتلال. وقد عبرت عن هذه الفكرة من خلال قصيدة سردية تبدأ فيها بتصوير حمزة على أساس أنه انسان مسالم.
«كان حمزة
واحدا من بلدتي كالآخرين
طيبا يأكل خبزه
بيد الكدح
كقومي البسطاء الطيبين»
ثم تمرّ الى الحدث الذي تحركت به القصيدة وهو تعرّض حمزة الى الظلم:
«كانت الخمسة والستون عام
صخرة صمّاء تستوطن ظهره
حين ألقى حاكم البلدة أمره
انسفوا الدار وشدّوا
ابنه في غرفة التعذيب»
ألقى حاكم البلدة أمره
ثم قام
يتغنى بمعاني الحب والأمن
واحلال السلام»
ثم تصور في رحلة لاحقة عملية الهدم وما رافقها من تحدي كان بطله المواطن الفلسطيني المصرّ على تحرير وطنه.
«فتح الشرفات حمزة
تحت عين الجند للشمس وكبّر
ثم نادى :
يا فلسطين اطمئني
أنا والدار وأولادي قرابين خلاصك
نحن من أجلك نحيا ونموت
وسرت في عصب البلدة هزّة
حينماردّ الصدى صرخة حمزة
وطوى الدار خشوع وسكوت»
ونستنتج من هذه القصيدة ثنائية المقصد فالشاعرة تهدف الى ابراز المواطن الفلسطيني كمظلوم ومستهدف من جهة ومتحدّ وصامد في سبيل وطنه من جهة ثانية ولا يخفى أن هذه القصيدة تحمل خطابا الى طرفين: الخارج الفلسطيني الذي عليه أن يعرف المعاناة والداخل الفلسطيني الذي يتوجب تحريضه على الاستبسال والصمود.
VI حكاية أخرى أمام شباك التصاريح :
تتطرق هذه القصيدة الى معاناة أخرى من معاناة الفلسطينيين ألا وهي الحواجز التي تفصل بين الأهل والتي يصنعها الاحتلال بين الجهات من خلال اقامته لشبابيك التصاريح ومنعه للعبور وتصور حكاية امرأة تمنع من زيارة طفلتها فتسرد الحكاية:
«أمس يا حبة عيني
فاض بي شوق الى مرآك، شوق لا يصور
فتجهزت بتصريح لكي يأذن ضباط وعسكر
بعبوري نهرنا الغافي على حلم التحرر
ولدى الشباك في الجسر انتظرت الدور في صمت وفي صبر
حان دوري فتقدمت أحث الخطى جذلى
ولتعسي
رد لي الجندي تصريحي وأقصاني بعيدا وتأمّر
أرجعي من حيث أقبلت
لماذا؟
ارجعي من حيث أقبلت وزمجر»
وتنتقل من هذه الحادثة لتصور ما يشعر به المواطن الفلسطيني من قهر وظلم ووحدة وعدم وجود الدعم العربي :
«أي وربي لم أعد أفهم شيئا
غير كوني
في زمان اليتم والحكم اليهودي المقدر
ليس لي معتصم يأتي فيثأر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.