عضو بمجلس هيئة الانتخابات: لا يمكن تجاوز هذا التاريخ كأقصى موعد للرئاسية    آمر المركز الأول للتدريب بجيش الطيران صفاقس: قريبا استقبال أول دورة للجنود المتطوّعين    المبادلات التجارية الجزائرية - الأوربية تلامس 47 مليار دولار    قريبا.. الحلويات الشعبية بأسعار اقل    الوطن القبلي.. صابة الحبوب تقدر ب 685 ألف قنطار    رئيس إتحاد الفلاحة: أسعار الأضاحي 'معقولة'    تسمّم تلاميذ بالحلوى: الإحتفاظ ببائع فواكه جافّة    افتتاح معرض «تونس الأعماق» للفنان عزالدين البراري...لوحات عن المشاهد والأحياء التونسية والعادات والمناسبات    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    شبهات فساد: الاحتفاظ بمعتمد وموظف سابق بالستاغ وإطار بنكي في الكاف    سبيطلة : القبض على مجرمين خطيرين    مصر: رفع اسم أبوتريكة من قائمات الإرهاب والمنع من السفر    المهرجان الدولي للمشمش بحاجب العيون في دورته الثانية ...مسابقات وندوات وعروض فروسية وفنون شعبية    قراءة في أعمال ومحامل تشكيلية على هامش معرض «عوالم فنون» بصالون الرواق .. لوحات من ارهاصات الروح وفنطازيا الأنامل الساخنة    عاجل : مسيرة للمطالبة بإيجاد حلول نهائية للمهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء    تحذير: عواصف شمسية قوية قد تضرب الأرض قريبا    كرة اليد: الاصابة تحرم النادي الإفريقي من خدمات ركائز الفريق في مواجهة مكارم المهدية    صفاقس اليوم بيع تذاكر لقاء كأس تونس بين ساقية الداير والبنزرتي    فقدان 23 تونسيا شاركو في عملية ''حرقة ''    مدير عام الغابات: إستراتيجيتنا متكاملة للتّوقي من الحرائق    وزارة الصناعة : ضرورة النهوض بالتكنولوجيات المبتكرة لتنويع المزيج الطاقي    بنزرت: جلسة عمل حول الاستعدادات للامتحانات الوطنية بأوتيك    المنستير: إحداث أوّل شركة أهليّة محليّة لتنمية الصناعات التقليدية بالجهة في الساحلين    بلاغ مروري بمناسبة مقابلة الترجي والأهلي    خبير في التربية : ''تدريس الأولياء لأبنائهم خطأ ''    بسبب الربط العشوائي واستنزاف المائدة المائية .. قفصة تتصدّر خارطة العطش    تضم منظمات وجمعيات: نحو تأسيس 'جبهة للدفاع عن الديمقراطية' في تونس    الحماية المدنية: 8 وفيّات و 411 مصاب خلال ال 24 ساعة الفارطة    كأس تونس: النجم الساحلي يفقد خدمات 4 لاعبين في مواجهة الأهلي الصفاقسي    نهائي دوري ابطال إفريقيا: التشكيلة المتوقعة للترجي والنادي الاهلي    هذه القنوات التي ستبث مباراة الترجي الرياضي التونسي و الأهلي المصري    ليبيا: إختفاء نائب بالبرلمان.. والسلطات تحقّق    عاجل/ القسّام: أجهزنا على 15 جنديا تحصّنوا في منزل برفح    والدان يرميان أبنائهما في الشارع!!    ضمّت 7 تونسيين: قائمة ال101 الأكثر تأثيرا في السينما العربية في 2023    طقس اليوم: أمطار و الحرارة تصل إلى 41 درجة    ألمانيا: إجلاء المئات في الجنوب الغربي بسبب الفيضانات (فيديو)    قانون الشيك دون رصيد: رئيس الدولة يتّخذ قرارا هاما    إنقاذ طفل من والدته بعد ان كانت تعتزم تخديره لاستخراج أعضاءه وبيعها!!    جرجيس: العثور على سلاح "كلاشنيكوف" وذخيرة بغابة زياتين    5 أعشاب تعمل على تنشيط الدورة الدموية وتجنّب تجلّط الدم    مدرب الاهلي المصري: الترجي تطور كثيرا وننتظر مباراة مثيرة في ظل تقارب مستوى الفريقين    الكاف: انطلاق فعاليات الدورة 34 لمهرجان ميو السنوي    منوبة: إصدار بطاقتي إيداع في حق صاحب مجزرة ومساعده من أجل مخالفة التراتيب الصحية    كاس تونس لكرة القدم - نتائج الدفعة الاولى لمباريات الدور ثمن النهائي    وزير الصحة يؤكد على ضرورة تشجيع اللجوء الى الادوية الجنيسة لتمكين المرضى من النفاذ الى الادوية المبتكرة    نحو 20 بالمائة من المصابين بمرض ارتفاع ضغط الدم يمكنهم العلاج دون الحاجة الى أدوية    تضمّنت 7 تونسيين: قائمة ال101 الأكثر تأثيرًا في صناعة السينما العربية    القدرة الشرائية للمواكن محور لقاء وزير الداخلية برئيس منظمة الدفاع عن المستهلك    معلم تاريخي يتحول إلى وكر للمنحرفين ما القصة ؟    غدا..دخول المتاحف سيكون مجانا..    البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية يدعم انتاج الطاقة الشمسية في تونس    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    التحدي القاتل.. رقاقة بطاطا حارة تقتل مراهقاً أميركياً    منها الشيا والبطيخ.. 5 بذور للتغلب على حرارة الطقس والوزن الزائد    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



La Puerta Falsa الباب الخاطئ
نشر في الشروق يوم 18 - 06 - 2005


صفحات غير مقروءة من »كتاب الرمل« العراقي
بقلم : منصف الوهايبي
واقع سحري حقا هذا الذي يعيشه العراق منذ سقوط بغداد. واقع أشبه بقصّة خورخي لويس بورخيس الشهيرة »كتاب الرّمل« وهو كتاب له بداية ككلّ الكتب ولكن ليس له نهاية.. يتصفّحه بطل القصّة ويصفه وصفا واقعيا حتى ليذهبنّ في الظن أننا نقرأ قصّة واقعية، على أنها واقعية شديدة الغرابة، فلا يكاد البطل يُنهي قراءة صفحة ذات رقم محدّد، ويغلق الكتاب حتّى يجد نفسه عاجزا عن العثور على تلك الصفحة ثانية. وهكذا دواليك والنتيجة هي هي.. فهو يقرأ ولكن دون أيّ إمكان لاستعادة ما قرأ، وكأنّ الكتابة مثلها مثل الصّوت محكومة هي أيضا بسرعة العطب والزوال.
ربّما كان من مقاصد الكاتب في هذه القصة غسل بصيرتنا من شريط الألفة الذي يحجب عنّا غرابة العالم الذي نعيشه فيه، فما نتوهّمه حكمة ونظام قد لا يكون سوى عَمَاء وفوضى. وربما كان من مقاصده الإيحاء بلا نهائية المعرفة حيث لا شيء سوى الوقوف على تخوم الرعب والعدم والتلاشي. ولذلك كان »كتاب الرّمل« كتابا بلا نهاية أو نوعا ممّا كان يسمّيه القدامى »علم الرّمل« وهو بحث عن المجهولات بخطوط تُخطّ على الرّمل وتمحى ثم تُعادُ.
أما الذي قدح في ذاكرتي قصّة بورخيس، فهو هذا الواقع العراقي »السحري« الذي يلابس في غرابته عوالم الحلم والكابوس وما يخرج عن الواقع المألوف من رموز وأساطير نجدها فجأة تثور في مكامنها وتهبّ من رقادها وتطالب بحقّها في الحياة ثانية، في زمن ليس بزمنها. فقد رسم الأمريكان تفاصيل سقوط بغداد في مشهد تلفزيوني في غاية البساطة.. بل في منتهى الألفة حيث خلت بغداد فجأة من جنودها وحماتها. وزاد ذلك من غرابة المشهد مقارنة بما كان يحدث قبله بيوم أو بأيام قليلة والحرب في أوجها، حتى ليشتبه عليك الشيء ونقيضه.. أليفه وغريبه، فهما يتداخلان ويطلاّن برأسين في اتجاهين ، فلا تميّز هذا من ذاك. وربّما سلّمت بأنك واقع لا محالة تحت كابوس مرعب، ثمّ أعقب هذا المشهد مشهدُ نهب المتاحف والمكتبات والمباني الحكومية وبيوت النّاس.. ربّما سلّمت أيضا بأن قاطع الطريق الذي يفصح عن هويته حالما يباغتك في مفترق مظلم، خير من السفاك الذي يأتيك في مسوح الرهبان ثم يرتكب جريمته وهو هادئ السّرب وادع النّفس!
فلا تكبيت ضمير ولا وخز ندم.. فهذه كلمات قذرة في عرف النظام العالمي الجديد، وأفكار شرّيرة فاسدة مخرّبة ترتبط بالمناورات والمعاملات المنحطة. وليس ثمّة شيء يخشاه أهل أمريكا الشمالية مثل المناورات كما تقول الكاتبة والشاعرة الأمريكية أدريان ريتش »لأنّنا نحن الأمريكان ندرك على مستوى ما، اننا ننتمي إلى نظام فارق في المناورة«، ثم تتابعت ولا تزال صفحات من »كتاب الرّمل« العراقي.. وكلّ صفحة تنسخ سابقتها وتمحوها.. في بلد أنهكه الحصار ثمّ الحرب، وما تزال جراحه تدمي.. أطفال يضربون بالنّبالم أو ب »أمّ القنابل«.. أو يشربون من المياه الآسنة.. نسوة متّشحات بالسّواد.. طفل يحتمي بحجر أمّه كعنزة صغيرة.. يدُ جنديّ أمريكي تمتدّ الى صدر إحداهنّ.. ربّما بحثا عن بقايا سلاح دمار شامل.. على حين يتصفّح زميله الأسود مجلّة »بلاي بوي«.. (امرأة تضفر شعر امرأة أخرى، في ضفائر كسنابل القمح، محلاّة بالخرز والمحار)، وهو يحلم بالسبانخ وفطائر الجبن المدخّنة.. عند نهر هارلم.. لم يقرأ كلمات جوليا دي بورجوس : »كان جدّي عبدا. ذلك هو حزني. ولو كان سيّدا لكان ذلك عاري!«.. ولو قرأها حقا، واستوعبها حقا، لربما منح جلده رعشة طبيعية، وأدرك كم هو قريب من هؤلاء العراقيين الذين احتجزوا من تقويم الزمن الأمريكي!
ربّما عقد مصالحة مع دجلة وما تبقّى من أشجار بغداد ومنتزهاتها، بعد أن خرّبتها الجرّافات الأمريكية، فالأشجار يمكن أن تموّه وتخدع ككل الكائنات الحيّة.. ولكنّ هؤلاء المقاومين العراقيين أشبه بكائنات لا منظورة.. ولم يقدّم الأمريكان حتى الساعة أيّا منهم على شاشات التلفزيون.. والسؤال : لمَ لمْ يهتزّ الضمير الأمريكي لقتل الأشجار كما اهتزّ إبّان حرب الخليج الثانية وطالب برأس الرئيس العراقي بدعوى أنه أشعل آبار النفط وتسبّب في قتل الطيور والحيوانات البحريّة؟! أليست الثقافة الأمريكية ثقافة البيئة وحقوق الانسان؟ أليست هي التي تدعو الى احترام الكائنات الحيّة، ماعدا هؤلاء العرب الذين يحضنون آبار النقط كما يحضن الطير بيضه، ويرخّمون عليها للتفريخ كما يرخّم، ويفقسونها كما يفقس؟!
لا أحد يدري ما الذي ينتظر العراقيين.. ولكني أعجب كلّما قرأت عن حرب فيتنام، كيف لا يزال الفيتناميون أحياء يرزقون حتّى اليوم؟! ولا يساورني شكّ في أنّ أمريكا إله بقناع »إنسان« يسيطر سيطرة تامة على كون صنعته الفيزياء والكيمياء والرياضيات (وقد يحظرها في مدارسنا وجامعاتنا فقد تفرّخ علماء صغارا يفرّخون بدورهم أسلحة دمار صغيرة لا يمكن العثور عليها أبدا) إله لا يستهان به أمريكا،، فهو خطة الكون ونظامه الذي يسوطُ الأجزاء حتى تنضوي للكلّ وتنصاع.. إله يعدنا بالأمل في العالم الآخر (وكأننا لسنا فيه بعد) مقابل الألم في هذا العالم.. إله يقدّم لنا فرصة أن نتعلّم الديمقراطية ونتهجّاها حرفا.. حرفا.. بالانقليزية الأمريكية طبعا.. وربّما اضطررنا الى إجراء أكثر من عملية جراحية على حناجرنا المتعودة على الضّاد، وتفخيم الأصوات الرقيقة كأن تجعل الكاف قافا والتّاء طاء.. وذلك حتى ننطق بالديمقراطية كما ينطق بها إلهُنا الجديد.. والويل لنا إن نحن خرقنا إرادته، فأمريكا قادرة على أن تحيي العظام وهي رميم.. وهل ثمّة هدف من اغتيال السيد محمد باقر الحكيم غير تهييج خلايا »الملل والنّحل« الثاوية في بطون الكتب من مرجئة وخوارج ومعمّرية وخطابية وجناحية وظاهرية وقشرية.. وما إليها من طوائف الغلاة والنزعات العدمية؟!
أغلق »كتاب الرّمل« العراقي.. ثمّ أتذكّر أنّي نسيت جملا أخرى في صفحة بعينها.. أفتح الكتاب ثانية.. ولكن دون جدوى.. أتذكر فقط ما رواه لي شاعر عراقيّ من أن جدّته كانت أعزّ أصدقاء، طفولته، منذ أن حاولا معا إنقاذ السندباد من الجزيرة المهجورة.. وأنه استيقظ صارخا عندما حلم بموت أمّه.. كما صرخ عندما انسربت بالونته من بين أصابعه وطارت بعيدا.. ذات صباح جمعة!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.