عندما انسحب من مركز الفنون الدرامية والركحية بالكاف في إدارة منصف السويسي لم يكن المسرحي الشاب أنذاك يملك أي تصور لمستقبله خارج المسرح لكن كيف؟ كان لا بدّ أن يحزم حقيبته الصغيرة ويرحل.. في أي اتجاه؟ كانت روما هي الأقرب يقول عمارة المليتي ل«الشروق» التي التقته في مرسيليا، لكن في روما لم يطب له المقام فقد كانت العراقيل كبيرة وإمكانيات الاندماج صعبة وبعد تربص ناجح انسحب مرة أخرى في اتجاه الجنوب الفرنسي وتحديدا مدينة أكس بروفانس ومن هناك بدأت الحكاية. معاناة طريق عمارة المليتي لم تكن مفروشة بالورود فقد عاش نفس المعاناة التي يعيشها أي مهاجر جديد بلا عمل يخبئ مشروعه الحقيقي في المسرح في قلبه، عمل المليتي في مهن صغيرة قبل أن يدخل عالم المسرح في مسارح مرسيليا وكانت البداية بمسرح الشارع وبتقديم عروض تنشيطية تنقل بها بين المدن الفرنسية كما سعى الى تنظيم عروض لمسرحيين تونسيين اعتمادا على أصدقائه الجزائريين لكن المنافسة كانت شرسة مع بارونات التوزيع الذين يسيطرون على السوق وأغلبهم منحاز للجبهة الوطنية الفرنسية التي تعادي المهاجرين. وبعد سنوات طويلة من الألم بدأ عمارة المليتي يتحسّس طريق النجاح وهو يعدّ الآن لمسرحية جديدة سيكون عرضها الأول في مسرح موليار بمرسيليا بعنوان «زوجي جاء من لبلاد» من إنتاج شركة «مقدمة الركح» وبمشاركة سمير الرويسي وجيرالدين بلدين وهي مهاجرة إيطالية وتتحدث المسرحية عن تمزق المهاجرين بين بلدان الاقامة وبلدان المهجر بكل ما في ذلك من مشاكل الاندماج الصعب والعنصرية وسؤال الهوية. تونس في القلب في رمضان الماضي شارك عمارة المليتي في أكثر من عمل تلفزيوني على القنوات التونسية وإذاعي أيضا لكن في هذه السنة لم توجّه له الدعوة ويقول المليتي أنه انتظر دعوته الى أحد الأعمال لكن هذا لم يتم ولأنه يعيش في مرسيليا فلم يتمكّن من المشاركة في «الكاستينغ» ولكن رغم الغياب التلفزة التونسية تبقى دائما في القلب لأنها تتيح له مساحة واسعة من التواصل مع الجمهور التونسي. الحلم مهرجان المسرح المغاربي.. هو الحلم الذي يعمل عمارة المليتي منذ سنوات على انجازه في مرسيليا وستكون البداية بالمجموعات المسرحية المغاربية المهاجرة ومن أبناء الجيل الثاني في انتظار أن تتوفر الامكانيات لمشاركة فرق من المغرب العربي وسيكون المسرح التونسي في الصدارة وسيعول عمارة المليتي في تنفيذ هذا المشروع على حماس المسرحيين المغاربة المقيمين في فرنسا لتجسيد هذا الحلم بأن يكون هناك مهرجان للمسرح المغاربي بجنوب فرنسا على أن يكون مهرجانا للمسرح العربي في مرحلة ثانية. الأحلام الكبيرة تبدأ بخطوة وعمارة المليتي قطع خطوات في اتجاه حلمه.