هيئة السوق المالية تشرع خلال شهر جويلية 2025 في إنجاز مهام رقابية    عاجل : رسميا... دول عربية وإفريقية على القائمة السوداء لترامب!    العمران: العثور على جثة طبيب والأبحاث تكشف تورّطه في طعن زوجته الطبيبة    حجّاج بيت الله يؤدّون طواف الوداع    عاجل/ الصحة العالمية: جدري القرود ما يزال يمثّل حالة طوارئ صحية    نابل: الانقطاع المتكرر للماء الصالح للشرب وسط ارتفاع درجات الحرارة يعمّق معاناة أهالي بئر الجدي بمعتمدية الهوارية    حفوز: قتيلان و3 جرحى حصيلة حادث مرور    رڤوج يتحصّل على جائزة أفضل سلسلة درامية في المهرجان الدولي للأعمال الدرامية في ماتيرا – إيطاليا    دار الفنون تحتضن المعرض الوطني للفن التشكيلي    الإعلان عن إتفاق نهائي بشأن تنظيم دوائر النقل الحضري المشتركة بين ولايتي نابل وسوسة    هذا ما تقرر في الرئيس الأول لمحكمة التعقيب المعفى الطيب راشد ورجل الأعمال نجيب اسماعيل    عاجل : بشرى سارة للتونسيين المقيمين في إيطاليا    رونالدو يرد بقوة: لن أرحل عن النصر.. وهذا قراري النهائي!    الحمامات: العثور على جثة رضيع حديث الولادة في حاوية فضلات    عاجل/ "قافلة الصمود" لم تتحصّل على تصريح الدخول الى مصر إلى الآن    عاجل/ عدم سماع الدعوى في حق خليفة القاسمي    "سيني جنينة" من 11 جوان إلى 16 جويلية 2025 بتونس العاصمة    جمعية مسرح المدينة بجمنة تستعد لتنظيم إقامات فنية لتأطير المشاريع الثقافية للشباب من تونس والمغرب والسنغال في المجال السمعي البصري    اليونيدو تواكب التحول البيئي للقطاع الصناعي في ظل بيانات عن خفض القطاع ما يناهز 13 مليون طن مكافئ ثاني أكسيد الكربون – بن حسين –    منظمة "اليونيدو" تجدّد التزامها بدعم تونس وتعزيز الشراكة الاستراتيجية نحو آفاق تنموية واعدة – الأسعد بن حسين    عاجل/ المتحور الجديد "نيمبوس": د.دغفوس يبيّن مدى خطورته على تونس    جندوبة: عدد من مربي الماشية يطالبون بالتعجيل في تلقيح قطيعهم    في آخر أيام الحج.. ضيوف الرحمان يرمون الجمرات الثلاث    طائرة-استعدادا لبطولة العالم 2025 - المنتخب التونسي يدخل في تربص تحضيري رابع بتونس    خبير مالي: إرجاء اصدار أقساط القرض الرقاعي قد يمكن من نزول نسبة الفائدة في الاشهر القادمة    انطلاق تظاهرة 'دروب ومسارات' بمركز الفنون الدرامية والركحية بالكاف    الدورة ال17 للصالون الدولي للبلاستيك من 17 الى 20 جوان الجاري بقصر المعارض بالكرم    نقابة الصحفيين تدعو السلطات التونسية والليبية والمصرية إلى مساعدة قافلة "الصمود"    عاجل: لا حالات ضياع في صفوف الحجيج التونسيين حتى الآن    بعد ليلة عاصفة.. طرابلس تستعيد هدوءها وسط تمركز أمني وانتظام حركة الطيران    صدمة العيد: لحوم الدواجن تهزم ''العلوش'' على موائد التونسيين!    ناغلزمان بعد الهزيمة من فرنسا: ألمانيا تبني شيئا مميزا    الكاف: تجميع 53700 قنطار من الشعير منذ انطلاق موسم الحصاد    تصنيف لاعبات التنس المحترفات - انس جابر تتقهقر الى المركز 59    إنتقالات: محمد الكوكي في طريقه للعودة إلى البطولة التونسية    تنس : الترتيب الكامل لللاعبين التونسيين لهذا الأسبوع    عاجل/ ملف الأضاحي: الكشف عن تجاوزات خطيرة والدعوة للتحقيق والمحاسبة    عاجل : الدولة التونسية تسترجع 400 ألف حساب بنكي نائم... هل حسابك من بينهم؟    قافلة الصمود..."رسالة الى كل أحرار العالم للتحرك من أجل الحق الفلسطيني" (فيديو)    عاجل : الاف التونسيين مهددون بخسارة أموالهم في البنوك دون علمهم... هل حسابك من بينهم؟    روبرت ليفاندوفسكي: لن ألعب مع منتخب بولونيا مرة أخرى .. لهذا السبب    مفاجأة بالأرقام : قطاع المياه المعلبة في تونس يُنتج 3 مليارات لتر سنويًا    موجة حرّ في انتظار التونسيين وتحذيرات نهاية الأسبوع...تفاصيل    عاجل : موسم حج 1446ه آخر موسم صيفي ...تفاصيل لا تفوّتها    عاجل/ ظهور متحوّر جديد من كورونا شديد العدوى    عاجل/ جيش الاحتلال يختطف السفينة "مادلين" المتوجّهة الى غزّة    حرب شوارع في لوس أنجلوس.. وترامب يهدد بإرسال المارينز    باكالوريا 2025: أكثر من 151 ألف مترشح يستأنفون اليوم اختبارات الدورة الرئيسية    الحرارة تصل 42 درجة اليوم.. #خبر_عاجل    جامعة كرة القدم: إلغاء اللقاء الودي بين تونس وإفريقيا الوسطى    وزير التربية يتابع سير العمل بمركزي إصلاح امتحان البكالوريا بولاية سوسة    في غياب هيكل تعديلي .. التلفزات الخاصة إثارة وانحرافات بالجملة    وراء قصة القهوة ... نضال أفريقيا ضد الاستعمار    بسام الحمراوي: '' أريار الڨدام''... فكرة خرجت من حب الماضي وتحوّلت لسلسلة كاملة بفضل الجمهور    رئيس البعثة الصحية لموسم الحج يدعو الحجاج إلى أخذ الاحتياطات اللازمة في ظل ارتفاع درجات الحرارة    وزير التربية يؤدي زيارة تفقدية إلى مركز إصلاح الباكالوريا بالمهدية    جائزة محمود درويش تضيء على إرث الصغير أولاد أحمد وشعر المقاومة    تسليم كسوة الكعبة لسدنة بيت الله الحرام    









خميسيات آدم فتحي: أين الشعب في الصورة؟فتحي
نشر في الشروق يوم 11 - 08 - 2011

انقضّ «المحن» كما هو مُتوقَّع على صورة «الهرَم المخلوع» حسني مبارك وهو يحضر محاكمته راقدًا على محفّة طبيّة من خلف القضبان الحديديّة. وكالعادة عبّرت التحليلات عن وجهتي نظرٍ أساسيّتين: الأُولى تُهلِّل لهذه «الصورة التاريخيّة» والثانية تُندِّد بها!
وجهةُ النظر الأولى عبّرت عنها ماينا كياي في صحيفةٍ كينيّة حين أشارت إلى أنّ مشهد مبارك «في وضعٍ شبيهٍ بوضع الحيوانات في قفص حديدي» كان «صدمة علاجيّة لقارة إفريقيا المريضة»، مضيفةً إنّ الأغلبيّة مسرورة بذلك «حتى وهي تدرك أنّ المجلس العسكريّ يُواصل عمله كالمعتاد ولكن دون أن يكون مبارك في الصورة»!
أمّا وجهةُ النظر الثانية فعبّر عنها الصحفيّ البريطانيّ روبرت فيسك حين احترز من الطريقة التي تتمّ بها هذه المُحاكمة، مضيفًا: «إنّ ما يحدث هو استعادة الممارسات القديمة»، وهي «قطعة حلوى يتوجّه البعض إلى الثوّار وكأنّه يقول لهم أنتم تريدون أن تروا مبارك في المحكمة وها نحن نتيح لكم ذلك، والآن عودوا إلى العمل وإلى بيوتكم»!
لا يهمّني هنا مضمون الرأيين على الرغم من أهميّته، بقدر ما يهمّني أن أنتقل إلى سياق أوسع لأطرح على هؤلاء المحلّلين السؤال التالي: أين نصيبُ الشعب من الصورة، باستثناء صورته الاستهلاكيّة المزيَّفة على امتداد عقود؟
يختلف الطُّغاة تاريخًا وجغرافيا ومواهب وأكسسوارات ودرجةَ استبداد إلاّ أنّهم يتشابهون أمام عدسة المُصوّر، وكأنّهم تجسيد لفكرة التقمّص أو التناسخ من ستالين إلى ماو وصدّام وبن علي والقذّافي وعلي عبد الله صالح والأسد. نكاد لا نلمس الفرق بينهم كما يبدون في صُوَرهم حتى حين يُضطرّون إلى تقاسم البطولة مع زوجاتهم كما هو الشأن في صورة شاو سيسكو وزوجته وصورة بن علي وزوجته وصورة حسني مبارك وزوجته إلخ، حيث يواجهنا نفس القناع البلاستيكيّ المتطاوس المتعالي الذي ينظرُ دون أن يرى.
ثمّة في هذه الصُّوَر ما يُغري بقراءتها من زاويتين:
زاوية خوف الحاكم من حضور المحكوم وكأنّ غياب المحكوم شرطٌ من شروط حضور الحاكم، فإذا الصورةُ كادرٌ حديديّ يحيط بفضاء مُغلق يحتلّه الحاكم وينفرد ببطولته هو وبطانته ولا مكان فيه لأحد سواهم.
وزاوية خوف الحاكم من أن ينساه المحكوم لذلك ينتصب «فخامتُهُ» جدارًا يحول دون العين ودون الأفق من كلّ جهة، مذكّرًا بنفسه في كلّ حائط، في كلّ مفترق طرق، في كلّ شارع، في كلّ مكتب، عن طريق صورةٍ تَقْرَعُ العينَ حدّ العمى مثلما تقرع العصا الطبل حدّ الانفجار.
فما الذي تغيّر في صُوَرِ ما بعد الثورة، باستثناء إحلال أشخاصٍ محلّ أشخاصٍ آخرين، دعايةً لهم أو تشهيرًا بهم؟ وأين الشعبُ المُغيّب؟ ولماذا يتواصل تصدُّرُ حُكّامِه السابقين أو اللاحقين المشهد؟
يقف السجّان أمام سجينه فيراه من خلف قضبان لكنّ السجين أيضًا يرى سجّانَه من خلف قضبان. والحُرُّ فيهما هو من يعرف التمييز بين صورة الحريّة وحقيقتها. ولن تصبح الصورة برهانًا على التغيير الحقيقيّ إلاّ حين يحضر الغائب أي الشعب أي نحن. أمّا ما يحدث حتى الآن فليس سوى ترسيخ لاحتكار الصورة من قِبل محتكري السلطة مع فارق أنّ هذا الاحتكار كان يتمّ باسم الاستبداد ويريد له البعض اليوم أن يتمّ باسم الثورة.
حتى الأحزاب الجديدة وهي تمارس الدعاية لنفسها تجد صعوبةً في كسر الصورة النمطيّة للزعامة كما رسّخها النظام الاستبداديّ. ثمّة استثناءات طبعًا لكنّ إعادة إنتاج النمط سمة مهيمنة على أغلب الصور. نكاد لا نرى في صدارة الكادر غير الكوادر، ونكاد لا نرى في الخلفيّة وجهًا من وجوه أصحاب البلاد، وكأنّ البلاد خالية من السكّان أو مجرّدُ علَمٍ في صالون فخم أو مشهد من مشاهد البطاقات البريديّة! وإذا رأينا وجوه عدد من المواطنين في بعض هذه الصور فهي مُصوّرة في وضعيّات مفتعلة توحي بأنّنا أمام ممثّلين ولسنا أمام مواطنين.
لكأنّنا أمام رغبةٍ متواصلة في إخلاء الصورة من الشعب وجعلها حكرًا على الحاكم، حتى وهو مخلوع، حتى وهو مجرّد حاكم انتقاليّ، حتى وهو مجرّد مشروع حاكم. وحين تَضطرُّ الأحداث إلى تصوير الشعب فإنّ ذلك لا يتمّ إلاّ على طريقتين: إظهارُه في شكلٍ همجيٍّ كي يكره رؤية وجهه في المرآة أو تزييفُهُ في عين نفسه تحت طبقات من الماكياج وإجبارُه على الابتسام كي «تطلع الصورة حلوة».
ذلك ما نراه في أغلب الصور واللافتات الإشهاريّة والملصقات الدعائيّة الرائجة هذه الأيّام، مع احترام الاستثناءات القليلة. أمّا الكلمات والحركات المُصاحبة فهي تبدو جزءًا من لوازم ألعاب الخفّة التي يتقنها المشعوذون لتلهية العين وإتخامها إلى درجة العمى انطلاقًا من أنّ الإفراط في الصورة يقتل الصورة. وكأنّنا أمام إبهار سمعيٍّ بصريّ لا هدف له إلاّ صرف الأنظار عن الحقيقة المرّة، حقيقة مواصلة تغييب الشعب عن الصورة قبل الثورة وبعدها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.