سيدي بوزيد: انطلاق موسم الحصاد وسط تقديرات بانتاج 290 الف قنطار من الحبوب    المنستير : وزيرة الصناعة تؤكد على حسن التصرف في المياه في قطاع النسيج    أرمستا: وفاة كافون كانت غدرة    نابل تواجه نقصًا حادًا في الأضاحي: 100 ألف حاجة مقابل 28 ألف متوفرة فقط    سليانة: اعطاء إشارة انطلاق المخطط التنمية الجهوي 2026-2030    قبلي: تنظيم الدورة الرابعة لايام قبلي المسرحية بالمركب الثقافي ابن الهيثم    غزة: أكثر من 240 ما بين شهيد وجريح خلال 24 ساعة    ترامب يُصعّد: رسوم ب50% على سلع أوروبا بداية من هذا التاريخ    وزير املاك الدولة: نسعى الى الانتقال الى مرحلة الكتب والامضاء الالكترونيين    عاجل/ مبادرة تشريعية هامة تتعلق بتنظيم ضمانات القروض البنكية..وهذه التفاصيل..    موعد بدء إجازة عيد الأضحى في السعودية    السكر المضاف و أضراره    "الكاف" يكشف عن المجسم الجديد لمسابقة كأس رابطة الأبطال الإفريقية    بشرى سارة للأساتذة المتزوجين: فتح باب ''لمّ شمل'' عبر حركة النقل الداخلية !    صفاقس: يقتل صهره بطعنة سكين ويلوذ بالفرار    قمة فرنسية طارئة في الإليزيه لمعالجة ''الجمود الدبلوماسي'' مع الجزائر    وزارة الأسرة تنظم دورة تكوينية حول تشريعات حماية حقوق الطفل لفائدة 40 مندوبا مساعدا لحماية الطفولة    تظاهرة ثقافية غدا السبت حول الفن والهوية بدار الشباب سيدي داود بالمرسى    كرة اليد: المركز الرابع لجمعية الساحل في بطولة إفريقيا    عاجل: أشرف الجبري ''مكشخ'' لموسمين إضافيين    اليوم الدولي للقضاء على ناسور الولادة، منظمة الصحة العالمية تؤكد امكانية الوقاية والعلاج من هذه الإصابة    عاجل/بعد استقالة الهيئة التسييرية للافريقي: سمير الوافي يفجرها ويكشف..    دليلك الكامل لتنسيق ألوان ربيع وصيف 2025: ألوان جريئة وعصرية ''تخليك تتألق''!    حافظ العموري يشرح التغييرات الجوهرية في قانون الشغل    السجن لنقابي أمني سابق من أجل هذه التهمة..    آخر الأرقام بخصوص موسم الحجّ    عاجل/ تحسّبا للتقلبات الجوية..مرصد سلامة المرور يحذر ويقدم جملة من التوصيات..    قفصة: أسعار أضاحي العيد تتراوح بين 750 دينارًا و2000 دينار    عاجل: ''إكستازي''بلعبة أطفال.. الديوانة تُحبط تهريب 5 آلاف حبة مخدرة بحلق الوادي!    29 يوم فقط تفصلنا على بداية فصل الصيف    الشرطة الأمريكية تكشف عن بيان ناري عن وحشية العالم وحرب غزة نشره منفذ هجوم سفارة إسرائيل في واشنطن    ترامب ينشر رسما ساخرا يلمح لترؤسه الولايات المتحدة إلى الأبد    علاج طبيعي للاكتئاب دون أدوية...تعرف عليه    ''ضحكة كبيرة ونتيجة خطيرة'': لعبة التخويف تهدّد صحة طفلك!    بمشاركة 28 فلاحًا وفلاحة: انطلاق سوق الفلاح التونسي لدعم المنتوج المحلي    الاتحاد الأوروبي لكرة القدم يعتذر بعد نفاذ الميداليات خلال حفل التتويج في الدوري الأوروبي    دعاء يوم الجمعة 23 ماي 2025    رئيس الجمهورية : إلغاء المناولة بداية لحلول جذرية تقطع مع "الماضي البغيض"    قفصة: مطار قفصة القصر الدولي يؤمن ثاني رحلة لحجيج ولاية قفصة على متنها 256 حاجا وحاجة    متابعة للوضع الجوي لبقية هذا اليوم وهكذا سيكون الطقس غدا..    عامر بحبّة: تقلبات جوية تضرب تونس والجزائر...و طقس ''الويكاند'' ممطر    تفاصيل جديدة عن عملية احباط 2.5 كغ من مادة الماريخوانا بمطار تونس قرطاج..#خبر_عاجل    كاتب الدولة للخارجية يستقبل مسؤولا بمنظمة التحرير الفلسطينية ويؤكد دعم حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم    الاستيقاظ قبل رنين المنبه خطر.. دراسة تحذر وتكشف..    هام/ "الستاغ" تشرع في جدولة ديون هؤولاء..    تخصيص جوائز مالية قياسية لكأس العرب 2025 بقطر    العميد شكري الجبري: إحباط إدخال كميات هامة من المخدرات عبرمطار تونس قرطاج ومعبر رأس جدير    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    برشلونة يمدد عقد جناحه رافينيا حتى 2028    باريس سان جرمان يمدد عقده مديره الرياضي كامبوس إلى غاية 2030    منبر الجمعة: لبيك اللهم لبيك (2) من معاني الحج    بعد إعصار مدمر.. صرخات رضيع تنقذه من الموت تحت الأنقاض    ملف الأسبوع...وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا .. الْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ    تعود إلى السينما المصرية بعد غياب: سناء يوسف تعوّض هند صبري في «الجزيرة 2»؟    مسرح الجم يحتضن الورشة الإقليمية لتوثيق التراث الرقمي بإشراف اليونسكو    نابل تحتضن الدورة الثانية من «الملتقى العربي للنص المعاصر» تحت شعار .. «المجاز الأخير... الشعر تمرين على الوجود»    حفل إسناد جائزة ابن خلدون للعلوم الإنسانية والاجتماعية يوم 27 ماي 2025 بالقصر السعيد    بلاغ وزارة التجارة حول توفير لحوم ضأن وبقري مسعرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عيوننا الأخرى: محاكمة مبارك: الرموز والدّلالات
نشر في الشروق يوم 11 - 08 - 2011

بدت لي محاكمة الرئيس حسني مبارك محاكمة مفعمة بالرموز..كلّ ما فيها ينطوي على دلالة ويحيل على معنى :المكان، الأشياء التي تؤثّثه، حركات المتّهمين، ثيابهم..كلّها كانت بمثابة العلامات التي أعدّت سلفا لتقول رسائل مخصوصة.
ويمكن أن نقسّم الرموز إلى مجموعتين :
المجموعة الأولى تضمّ الرموز التي صاغتها السلطة الحاكمة وحمّلتها رسائل إلى الثوّار في ميدان التحرير.
المجموعة الثانية تضمّ الرموز التي وضعها المتّهمون للردّ على رموز السلطة الحاكمة ورسائلها.
رموز السلطة الحاكمة كثيرة ومتنوّعة لعلّ أهمّها مثول الرئيس حسني مبارك للمحاكمة داخل قفص. فالقفص، وإن كان من مستلزمات المحاكم المصريّة، إلاّ أنّه أخذ، في سياق هذه المحاكمة، بعدا جديدا.فهو يشير إلى أنّ الرئيس لم يفقد سطوته وسلطانه فحسب وإنّما فقد مهابته وجلاله أيضا وتحوّل إلى رجل متّهم ينظر إلى العالم من خلال قضبان الحديد تطبق عليه من كلّ مكان. وبقدر ما يشير هذا القفص إلى تدهور مكانة مبارك فإنّه يشير، في الوقت ذاته، إلى انتصار خصومه، أولئك الذين كانوا قبل أسابيع قليلة داخل القفص، يحاكمهم قضاة مبارك ويطاردهم أنصاره.
لقد أرادت السلطة الحاكمة أن تعلن، من خلال هذه المحاكمة، عن خروج مصر من زمن ودخولها في زمن آخر جديد.خروجها من زمن مبارك ودخولها في زمن الثوار.
وينهض القفص ليؤكّد هذا الانتقال فهو يعلن أنّ الحاكم بات محكوما...بل محكوما عليه... فيما بات المحكوم حاكما ذا سطوة وقوّة ونفوذ...ومن وجوه سطوته وقوّته ونفوذه أنّه.أصرّ على أن يشرب مبارك من الكأس التي شرب منها...ولم تضعف كلّ المناورات التي لجأت إليها السلطة الحاكمة هذا الإصرار بل ربّما زادته قوّة . فمحكوم الأمس أراد أن يقف مبارك الموقف الذي وقف ، وأن يكابد المعاناة التي كابدها.
قالت السلطة الحاكمة إنّ القفص ليس له من غرض سوى حماية المتّهمين وضمان سلامتهم. لكنّ النّاظر إلى هذا القفص لا يمكن، بأية حال،أن يقرأ فيه هذه المعاني التي أشارت إليها السّلطة الحاكمة. القفص هنا إدانة قبل الإدانة، قصاص قبل القصاص...
كيف كان ردّ المتّهمين على رسالة السّلطة الحاكمة؟
لعلّ أهمّ ردّ جاء من حسني مبارك. فهذا الرّجل الذي عدّه خصومه فرعون مصر، وأخذوا عليه جبروته واستبداده، واتّهموه بقتل مئات المصريين، قدّم في هذه المحاكمة صورة جديدة عنه تختلف عن الصّورة التي عرفها المصريّون اختلاف تباين وتناقض. فهذا الطّاغية المستبدّ بدا في هذه المحاكمة رجلا مريضا متهالكا، ملقى على سرير طبّي، غير قادر على مواجهة القضاة، بل غير قادر على سماع أقوالهم.
لكأن غرض مبارك كان يتمثّل في «تشويش» الصّورة الأولى التي استقرّت في وجدان المصريين، استبعادها، إلغاؤها من الذاكرة واستبدالها بصورة ثانية لا تصوّر عنجهيّة مبارك وتجبّره وإنّما تصوّر ضعفه وهشاشته...أي لا تصوّر الرّجل في هيئة نصف إله وإنّما تصوّره في هيئة إنسان عاديّ قد يمرض وقد يتألّم..
هذا التحوّل، تحوّل مبارك من رجل متسلّط متجبّر إلى متّهم ضعيف متهالك، كان تحوّلا مفاجئا، غريبا، مدوّخا إلى حدّ أنّ البعض لم يصدّق ما حدث. فهذا أحد المحامين ذهب إلى القول إنّ الرّجل الملقى على السّرير داخل القفص ليس الرّئيس مبارك وإنّما هو شخص آخر. فالرّئيس قد مات منذ أربع سنين وعمدت السّلطة الحاكمة إلى التكتّم على موته. فوضعت شبيها له يحكم باسمه، لهذا طالب المحامي بفحص الحامض النووي لمزيد التّحقّق والتّأكّد.
آلُ مبارك ردّوا على الرموز التي صاغتها السّلطة برموز أخرى لعلّ أوّل هذه الرّموز ارتداؤهم جميعا بدلات بيضاء نقيّة مع حرص واضح على الظّهور في هيئة أنيقة وبأسارير منبسطة توحي بالدّعة والسّكينة.
هؤلاء المتّهمون ذوو الذّقون الحليقة والقسمات الوسيمة يختلفون عن المتّهمين العاديين...لكأنّهم غير متّهمين...أو لكأنّ التّهم التي ردّدها القاضي على مسامعهم لا تعنيهم.
من قال إنّ هذه العائلة متهمة بالفساد، خارجة على قيم الجماعة و«أخلاقها»؟
كلّ ما فعله المتّهمون داخل هذه المحاكمة يؤكّد أنّهم يحافظون على هذه الأخلاق وتلك القيم. فهذا علاء ظلّ على امتداد المحاكمة متشبّثا بالقرآن الكريم لا يتخلّى عنه...أمّا جمال فقد كان برّا بوالده لا يفتأ يحدب عليه يعيد على سمعه الثّقيل كلام القاضي، بل هو الذي هبّ إلى تحريك سريره خلال الاستراحتين.
لكنّ الأهمّ من كلّ ذلك أنّ النّجلين عملا طوال المحاكمة على مواراة والدهما عن كاميرات المصوّرين الظامئة لالتقاط صور الرّجل المتهالك الضّعيف، فقاما حجابين كثيفين يحولان دون تصويره والتشهير به. فلم يتمكّن المصوّرون إلا من التقاط عدد محدود من الصور.
وتبلغ رمزيّة المحاكمة أوجها حين يتحاشى آل مبارك مخاطبة وزير الداخليّة ومعاونيه، حتّى أنّ نجل مبارك علاء جلس،في وقت من الأوقات، إلى جانب حبيب العادلي دون أن يلتفت إليه أو يتوجّّه إليه بالخطاب...وهذه رسالة واضحة للمشاهدين، وربّما للقضاة، مفادها أنّ أسرة مبارك على خلاف مع الوزير فهي تتبرّأ ممّا فعل...تتبرّأ من قتل مئات المصريين بنار منظوريه.
هذه الرّموز مجتمعة، ليست في الواقع إلا ردّا على الرّموز التي صاغتها السّلطة الحاكمة وشحنتها بمعاني الإدانة والاتّهام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.