انشغل التونسيون منذ صبيحة الأمس بتفاصيل النقل المباشر لمحاكمة القرن في العالم العربي، ومثول حسني مبارك مع ابنيه ومساعديه في قفص الاتهام أخيرا ليجيبوا عن أسئلة الشعب المصري الذي يتهمهم بنهب البلاد وقتل خيرة شبابها في الثورة. وعند الساعة التاسعة صباحا، اكتسحت الموقع الاجتماعي مقاطع الفيديو التي تصور الرئيس المصري السابق ممددا على سرير المرض وهو يتأمل في صمت ما حوله، غير مصدق تماما مثل ناشطي الموقع في تونس ومصر والدول العربية الذين لم يصدقوا أن آخر الفراعنة يمكن أن يأخذ طريقه إلى قفص الاتهام يوما لكي يحاسب على ما فعله بالشعب المصري طيلة عقود. ونقل تونسيون ما كتبه أصدقاء لهم من مصر من أن حسني مبارك الذي أقنعهم بقوة الإرهاب الحكومي أنه إنسان خارق، فوق البشر، لا يمسه سوء ولا يأتيه الباطل ولا يعرف الحساب، ليس في الواقع إلا رجلا بائسا يكتفي بوضع إصبعه في أنفه، لذلك صمم الأشقاء المصريون صفحة ساخرة في الحين وجدت إقبالا كبيرا سموها: «الراجل اللي نايم في القفص وبيلعب في مناخيره». لقد نقل التونسيون لحظة بلحظة تفاصيل المحاكمة، واتفق الناشطون من كل الحساسيات الفكرية على أن اللحظة تاريخية: محاكمة آخر الفراعنة، غير أنهم اختلفوا في قراءتها، الإسلاميون يستعيدون غرق الفرعون الذي تحدى الله، واليسار يتحدث عن انتصار الشعب والفقراء على أحد أكبر رموز الامبريالية الأمريكية في العصر الحديث، وكتب ناشط شاب: «لقد تخلت عنه الإمبريالية مثل أي خرقة مستعملة». ولم تخل تعاليق التونسيين من الشماتة الواضحة في الرئيس المصري خصوصا في ظل حسرة العديد من زعماء إسرائيل على محاكمته. وبعد أن تقاسموا مع إخوانهم في مصر لذة رؤية الرئيس المصري السابق مسجونا ذليلا، جعلوا يكتبون أمنيات يعرفون جيدا أنها شبه مستحيلة، وهي رؤية زين العابدين بن علي في قفص مماثل وهو يجيب بصوته الأجش عن أسئلة القضاة في محكمة تونسية، ويتحدث عن «بكل حزم». وكتب تونسي كهل إن مثول بن علي موقوفا أمام القضاء في قفص الاتهام يمثل قمة من قمم العدل الإنساني، ودرسا تاريخيا لكل من هو في الحكم أو سيحكم الناس لكي لا ينسى أن الحساب قد أصبح ممكنا، وأنه مواطن مثل الناس، وليس إلها فوق الحساب والعقاب. انخرط بعد ذلك الناشطون التونسيون في مقارنة آلية بين القضاء المصري الذي جلب مبارك خاضعا صاغرا، والقضاء التونسي الذي فشل حتى في جلب بعض الشهود، فما بالك بالمتهمين بقتل شهداء الثورة. لم يفلح محام معروف في إقناع الناشطين بالفرق في الإجراءات بين القضاء المصري والقضاء التونسي، فكتب له أحد الشباب المستائين: إذن لننتقل إلى القضاء المصري يا أستاذ. وفي الانتظار، يصمم التونسيون صورا ساخرة للرئيس المخلوع، ورسوما له وهو وراء القضبان، للتنفيس عن خيبة الأمل، مقارنة بما حققه الشعب المصري من وقوف الرئيس المتهم أمام الإدعاء العمومي من أجل العدالة الكونية.