ليس للشهيد حظ في حصوله على الشهادة فقط, وإنما حظه في والدة, ليست كغيرها من الأمهات, تنجبه وترضعه وتربيه لتجعل منه شهيدا يساهم في تغيير وجه تونس بإسقاط نظام أمني بامتياز. السيدة زهرة الماجري, والدة الشهيد محمد خضراوي, هي واحدة من هؤلاء الأمهات اللواتي أنجبن بطلا كان له موعد مع التاريخ في إسقاط نظام المخلوع... «الشروق» التقت هذه السيدة الفاضلة في بيتها القاطن بحي الزهور, أفقر أحياء المدينة, والذي أمر المخلوع بقصفه... والدة على وجهها 50 عاما من المعاناة, معاناة الخصاصة والحرمان, وزادها ألم الفراق.. فراق أحبة كتبوا بدمائهم سطورا كبيرة في تاريخ تونس... والعبرة لا تكاد تفارق عينيها... وهي تقول «كم كان مرا رمضان هذا, وقد رحل محمد, وعزائي كل عزائي بأنه مات شهيدا, وساهم في كتابة فصل من فصول تونسالجديدة». السيدة زهرة, امرأة برغم بساطتها عظيمة ومناضلة, كانت تنحت في الصخر لإعالة أبنائها اليتامى, توفي زوجها منذ عشرين عاما, وأبقى لها طفلين ثالثهم محمد الشهيد ذو الخمس سنوات... تمثلت عظمتها في أنها لم تترك للجوع والفقر مجالا بان يسرق أبناءها ويشردهم.. فكدحت ليلا نهارا لتوفر لهم أسباب الحياة.. وكم كانت ظروفها صعبة ومؤلمة وهي تحاول إيجاد عمل ما.. لكنها تحملت من اجلهم.. ولا تزال السيدة زهرة تعمل اجل عائلتها في «الحضائر الظرفية» بأجر زهيد لا يشبع و لا يغني من جوع. سألنا السيدة زهرة عن الإعانات المالية التي قدمت لها باسم الشهيد, فقالت بأنه منذ شهر مارس تقريبا قد تم تسليمهم, في مقر الولاية, شيكا بمبلغ 20 ألف دينار كدفعة أولى لمبلغ لا تعلمه, و تناست الولاية أو الحكومة ما تبقى من المبلغ. وفي الأخير سألناها عن أمنياتها ما بعد الثورة, فقالت لي أمنيتان لا غير, ان يسعد هذا الشباب الذي قدم دماءه للوطن وللحرية والعدالة.. وموطن شغل قار قد يوفر الكرامة, والثانية ان أرى قاتل ابني وراء القضبان للمحاكمة ونيل ما يستحقه من عقاب بحجم الألم الذي سببه لكل أم.. وانسكبت العبرات من عيني السيدة زهرة.