تعزّزت الساحة السياسية خلال الأسبوع المنقضي بعدد من المبادرات بغاية تقريب وجهات النظر وإبراز علاقات حزبيّة جديدة تؤسّس لتوحيد الجهود ورصّ الصفوف الوطنية في مثل هذه الفترة التاريخية الهامّة والمصيريّة. وما من شكّ في أنّ تلك المبادرات تُوجد انطباعا إيجابيا بخصوص إمكانيات تجاوز المطبات والصعوبات الحالية وتحقيق الانتقال السياسي الديمقراطي والهادئ ، ذلك أنّه كلّما اقتربت العقول والنفوس كلّما ازدادت تباشير الخير ومؤشرات المضي قدما في تحقيق أهداف الثورة وتطلعات الشعب. إنّ في التخلي عن المنطق الحزبي الضيّق في مثل هذا التوقيت أمر أكثر من ضروري إذ لا بُدّ من تغليب الصالح العام فسيأتي زمن المنافسات والسجالات الفكرية والإيديولوجيّة بمناسبة محطات سياسية وانتخابية مقبلة، إنّ تدهور الأوضاع في البلاد لا يخدم أيّ جهة أو طرف بل سيزيد ذلك في ترفيع مآسي الناس وآلامهم وسيُعمّق مشاكل البلاد وسيُفاقم المخاوف من ردّة حقيقيّة عن ما هدفت إليه ثورة 14 جانفي من تطلعات للقطع مع الماضي وبناء تونسالجديدة بدولتها المدنية الديمقراطيّة العادلة ومجتمعها المنسجم والمتوازن والمتآلف. إنّ في جلوس الأحزاب ومختلف الأطياف السياسية والحزبيّة بعضها إلى بعض هو من مؤشرات الانتظار الإيجابي والأفق الجيّد لتجاوز عقبات الحاضر ورهاناته الصعبة ، وستّتجه الأنظار يومي الإربعاء والخميس القادمين إلى ما ستفضي إليه لقاءات الوزير الأوّل في الحكومة المؤقتة مع قيادات الأحزاب الممثلّة في هيئة تحقيق أهداف الثورة وخطابه المنتظر الخميس أمام جميع الأحزاب والهيئات الوطنيّة. إن تكرار مثل هذه المناسبات لإجراء الحوارات والنقاشات وتبادل الآراء وتدارس مختلف المقترحات والمبادرات يبقى السبيل الأفضل في طريق تجاوز الحالات الخلافية والتنحي عن منطق القطيعة أو لغة التصعيد أو الصدام. والمهم في كل ذلك أن يكون الحوار جديّا وجادّا وأن تكون مختلف المبادرات والأفكار والتصورات نابعة من إحساس وطني وروح عالية من المسؤولية بغاية التقدّم بالحياة الوطنية إلى الأمام لا دفعها إلى الخلف. ولا شكّ في أن ما تفعلهُ جلّ الأحزاب هذه الأيام مدعاة لفتح أفق إيجابي في عتمة القلق والحيرة التي أصبحت تهزّ الشارع التونسي واستشراف توجّه إيجابي للخروج بالبلاد من النفق الّذي بدأت تنحدر إليه هذا الأيام. بقي أنّ الحكومة المؤقتة مُطالبة وبكلّ جديّة في أن تتلقّف كأفضل ما يكون احتياجات المرحلة والتي على رأسها إعادة الوفاق الوطني على أسس صحيحة وثابتة وتوفير أجواء الأريحية والثقة والاطمئنان بين مختلف الفرقاء السياسيين وإعادة خيوط التواصل الإيجابي مع المواطنين بعيدا عن منطق الاحتقار أو اللامبالاة وعبر الاستماع إلى طلباتهم وتطلعاتهم المشروعة والعادلة. فعسى أن تكون الأحزاب جادة في تمشيها وأن تفعل الحكومة ما به ينعم الناس ويرتاحون من مذلّة السؤال المادي (حاجيات الحياة اليوميّة) ومذلّة السؤال المعنوي والأدبي (الحق في معرفة حقيقة ما دار ويدور في البلاد).