أسفي إنك لا تدرك حنيني ... هذا مطلع قصيد شدت به الفنانة الكبيرة نعمة في لحن للشاذلي أنور... قصيد ضمنته صاحبته مشاعر رومانسية وعاطفية رقيقة وسامية. ... هي زبيدة بشير الشاعرة التي غادرت الحياة أمس الأول الأحد 21 أوت في صمت... وبلا ضوضاء عن سن ناهز الثلاث والسبعين سنة... غادرتنا زبيدة بشير الصوت الشعري الدافئ... الصوت الذي عاش وهو يبحث عن الحب والرومانسية والصفاء والبهاء في أجل مظاهره. صوت شعري متفرّد... متمرّد على كل القيود المكبلة للابداع في ستينات القرن الماضي على وجه الخصوص. زبيدة بشير القادمة من ربوع ساقية سيدي يوسف بادرت سنة 1968 بإصدارها ديوانها الشعري «حنين» في مجتمع لم يستوعب بعد شعر المرأة. انسحاب من الساحة ودون مقدمات اختارت زبيدة بشير الانسحاب من الساحة الأدبية التونسية واختارت الانزواء والاختلاء بقلمها وأوراقها تخطّ عليها أحاسيسها ومشاعرها ورومانسيتها الرقيقة. فكان ديوانها «آلاء» الذي صاغت فيه ما بداخلها من رهافة ورقة وصفاء روحي وحزن وأسى وحنين وأنين وهي التي قالت عنها بنت الشاطئ «لولا نبرة الحزن والأسى التي تطغى على معظم قصائدها، لقلت هذه أميرة الشعر العربي». وهي التي قال عنها أحمد رامي: «في ما قرأت من شعر لم أجد كهذا الشعر يمسّ شغاف القلب». لماذا الانسحاب المفاجئ؟ لئن شغلت زبيدة بشير الساحة الشعرية التونسية بدرجة أولى في الستينات بما نحتته من وجداننا من أحاسيس تجاوزت المسكوت عنه... فإن انسحابها المفاجئ فتح المجال للعديد من التأويلات واجهتها الشاعرة بصمت ولسان حالها يردّد: «ما ضرّني لو قال الناس إنني ظالم واللّه يعلم أنني مظلوم»، وبعد محاولات عديدة تحدثت زبيدة للمقربين منها بما يفيد أن انسحابها يعود الى «فساد» الوسط الثقافي ولو أن زبيدة بشير حسب العارفين والمقربين منها عاشت الاحباط على أكثر من صعيد فاختارت الانزواء حلاّ لذلك وهي العصامية التكوين ورغم ذلك استطاعت وكسبت رهان نحت نهج شعري متفرّد في تعابيره وصوره ومضامينه. جائزة وطنية بإسمها تقديرا واعترافا بريادتها في الشعر النسائي تمّ تأسيس جائزة وطنية سنوية تحت اسم «جائزة زبيدة بشير للكتابات النسائية»، جائزة تنتصر للحياة والتفاؤل ومعاني الجمال في الوجود... هي زبيدة بشير التي غادرتنا في صمت إلى دار الخلد ولسانها يلهج بالحب الذي شيدت له محربا خاصا بها: عندما كنت أحبك لم أكن أعرف أن الحبّ وهم وخيال لم أقل يوما أحبك غير أني كنت أحيا في ضلال عندما كنت أقول ينتهي العمر وحبي لا يزول لم أكن أدرك معنى ما أقول... ... إنها زبيدة بشير صوت الحب الصامت