بقلم الأستاذ أحمد العموري ودعنا مؤخرا بمشاعر الأسى العميق واحدة من رائدات العمل الاذاعي في تونس وعميدة الشعر النسائي التونسي، الفقيدة العزيزة علينا جميعا زُبيدة بشير أو بحسب مضمون حالتها المدنية زُبيدة بنت البشير السوفي وليدة ساقية سيدي يوسف في 8 فيفري 1938، حفظت القرآن الكريم في طفولتها وشُغفت منذ الصغر بروائع الأدب القديم والحديث مما مكنها في عصامية مثلى من رصيد لغوي متين وموهبة شعرية فذّة، تتميّز بجزالة اللفظ وشفافية التعبير وجمال الصور وبلاغة المعاني وروعة المباني مما بوّأها مكانة رفيعة في الأدب العربي الحديث، ولما نضجت تجربتها احتضنها الشاعر الكبير المغفور له مصطفى خريف وشرّفها بكتابة المقدمة لمجموعتها الشعرية الأولى (حنين) الصادرة عن الدارالتونسية للنشر سنة 1968 فوصفها بالشاعرة النابغة وأكد على أن تقديمه لشعرها فخر ذاتي له لأنه والعبارة له واجد في باكورة نشاطها الأدبي الخصيب اطمئنانا على مستقبل العبقرية المغاربية في انبعاثها الراهن ولكونه من أقدم الناس معرفة بنشأة ملكات زبيدة. وكان من نتاج ظهور هذه العبقرية الفذة المقولات التالية: إذا قرئ شعر زبيدة بشير فليقف الجميع إجلالا مُعين بسيسو في شعر زبيدة بشير نمنمة خاصة تبرز التميّز والتفرّد بدوي الجمل من يجرؤ على تلحين هذا الشعر الملحّن بطبعه د. يوسف شوقي في ما قرأت من شعر لم أجد كهذا ا لشعر يمسّ شغاف القلب أحمد رامي ما تخيّلت إني سأسمع شدو الملائكة على الأرض حتى سمعت شعر زُبيدة بشير صالح جودت لولا نبرة الحزن والأسى التي تطغى على معظم قصائدها لقلت هذه أميرة الشعر العربي د. بنت الشاطئ في جريدة «الأهرام» أخشى أن تغلبني صداقتي للشاعرة في تذوّقي لشعرها ولكنني أجزم أن هذا هو السّحر الحلال مفدي زكرياء. وفي سنة 2002 نشر مركز «الكريديف» مجموعتها الشعرية الثانية (آلاء) وقد ضمّت روائعَ ما كتبته في فترة اعتكافها وغيابها عن الساحة الأدبية سنوات طوالا. فقال في ذلك عبد العزيز البابطين صاحب معجم البابطين للشعراء العرب المعاصرين: (وجدت في ديوانك آلاء هزّة ممتعة تأخذ بالقارئ الى آفاق رحبة من الخيال المبتكر والرؤية النافذة واللمسات الانسانية الثرية) وكانت مجموعة (آلاء) مناجاة ذات توجّه إيماني وصوفي لخّصته في قصيد لي عنوانه (الى أخت لم تلدها أمي) بهذا البيت: «آلاؤك» النفحاتُ والنجوى التي أفضى بها أيمانُ حسّ أمثل» وقد ذكرت فقيدتُنا في مضمار التشجيع والتكريم اللّذين خصّها بهما الرئيس الراحل بورقيبة أنه قال يوما:«عندما يذكر التاريخ ويسطر: هل سيقول زبيدة عاشت في زمن بورقيبة أم بورقيبة عاش في زمن زبيدة» فتقول له في خجل: عفوا سيدي الرئيس، فيضيف «لا تنسي أن سيف الدولة عرفه الناس من خلال المتنبّي وليس العكس». أما الحلم الذي لم يتحقق لشاعرتنا قبل مفارقتها الحياة، فهو ديوانها «عودة الفينيق» متضمنا روائعها الجديدة: النبراس وفرحة وطائر الفينيق وقمرية الخضراء وكيف أنساها وغير هذه من الروائع، فآخر ما كتبت رحمها اللّه قصيدة «كيف أنساها» تحية منها لثورة 14 جانفي ثورة العزّة والحرية والكرامة ألقته في حفل تكريمها بعد تدشين السيد وزير الثقافة والمحافظة على التراث والسيدة وزيرة المرأة مؤخرا لدار الثقافة زُبيدة بشير في الكاف وطالعه: «قفوا لتونس إن الفجر لبّاها فأشرقت شمسها والمجد وافاها» وليس بدعا أن يعترف وطننا العزيز لهذه النابغة بمكانتها الفريدة حين أقرّ مركز «الكريديف» سنّة إسناد جائزة زبيدة بشير الوطنية في حفل سنوي يوم 8 مارس ومنذ سنوات لأحسن ما أنتجه الفكر النسائي التونسي في مختلف مجالات الابداع وبسائر اللغات بمناسبة اليوم العالمي للمرأة. ولقد شاركت شاعرتنا في المؤتمرات والندوات الدولية العربية والأوروبية ونشرت إبداعاتها مختلف المجلات والدوريات والصحف والاذاعات في الشرق والغرب. فاعترف بمكانتها معجم البابطين للشعراء العرب المعاصرين، والمؤلف البولوني «الأصالة والحداثة في الشعر التونسي المعاصر والمؤلف الاسباني «الشعراء العرب المعاصرون». وغير خافية مكانة زبيدة بشير في الاذاعة التونسية فهي من الخماسي الاذاعي النسائي وسيدة البرقاوي ومفيدة زهاق ونجوى اكرام رحمها اللّه ومليكة بن خامسة متعها اللّه بالصحة، فزبيدة كانت لها رحلة النجاح والحب بين المصدح والأدب. فقد بدأت علاقتها بالأثير ب«جنّة الأطفال» وبمشاركاتها الشعرية في صوت أمريكا وإذاعة «البي بي سي» إذا سمع قصيدة لها شاعرنا الكبير الدكتور نور الدين صمود سنة 1953 وفي إذاعة باريس حيث فازت بجائزة المباراة الأدبية لسنتي 57 و58 وكانت الجائزة رحلة الى عاصمة النور. وكان من انتاجاتها في الاذاعة التونسية برنامج «مرادفات» وبرنامج «لقاء الأحبّة» و«أغنية لكل مستمع» وغيرها. رحمك اللّه يا زُبيدة الاذاعية وزُبيدة بشير الشاعرة خنساء تونس وزُبيدة بشير الانسانة صديقة الجميع.