أموال طائلة تنفقها أحزاب سياسية «ميسورة» على حملاتها الإشهارية للوصول إلى الناس بدل الضرب في أنحاء البلاد لإلقاء الخطب وإقناع المواطنين وأحزاب أخرى «فقيرة» يعوزها المال لكن للإشهار السياسي أوجه أخرى خفية تكشف من موقف «غريب» للحكومة وصمت أغرب لهيئة الانتخابات. يطالع التونسيون منذ أشهر حملات إشهارية لأحزاب سياسية... نعم أحزاب سياسية تبثّ عبر القنوات التلفزية مع الياغورت والشكولاطة وحفاظات الرضع ومساحيق التجميل وعقاقير مداواة الناموس والحشرات. لم يألف الشارع التونسي رؤية المعلقات الإشهارية العملاقة لأحزاب قديمة وأخرى نشأت بعد الثورة بصور زعمائها يوزعون الأمل والطمأنينة على التونسيين. في المقابل تتحسّر أحزاب أخرى على خواء جيوب مناضليها وفراغ خزائنها فقرّرت النزول إلى الشارع وملاقاة الناس وإقناعهم بالأفكار والأطروحات السياسية والمقاربات الاقتصادية والاجتماعية. حملات محمومة وتصاعدت في الأيام الأخيرة حمّى الإشهار السياسي ودخلت «الأحزاب الميسورة» التي امتدت من أجل الظهور في أوقات الذروة عبر القنوات التلفزية وموجات الإذاعات وعلى صفحات الصحف اليومية والأسبوعية والمواقع الالكترونية. أحد هذه الأحزاب أنفق إلى حد كتابة هذه الأسطر أكثر من مليون ونصف من الدنانير على حملته الإشهارية ومازال مصرّا على مواصلة الحملة وحزب آخر بدأ يتحسّس خطواته نحو الإشهار وقد سبقهم حزبان سياسيان في هذه الدعاية منذ الأشهر الأولى للثورة. شاهد المتابعون للشأن السياسي مرور هذه الومضات بكثير من الدهشة والاستغراب ومردّ دهشتهم صمت الحكومة «الغريب» حيال الحملات الإشهارية فوزارة الداخلية لم تسأل هذه الأحزاب عن معنى أن يتحول حزب إلى «حانوت» سياسي يروّج بضاعته بنفس الطرق التي تروج بها الطماطم وزيوت القلي وأدوات التنظيف وكأنها استعاضت عن النضال السياسي الميداني التقليدي واللقاءات المفتوحة مع الناس لإقناعهم بوسائل أخرى لا تتطلب أي جهد نضالي أو سياسي لتصل إلى الناس والزعيم السياسي لم يعد يحتاج إلى قاعة رحبة وتجييش الناس ليخطب فيهم ويصغي إلى ملاحظاتهم ومقترحاتهم وانتقاداتهم ويصافحهم إثر اللقاء بل يكفي أن يأذن الزعيم بصرف الأموال لوكالات الإشهار التي نشط سوقها، ليظهر إلى الناس بابتسامة سياسية وشعاارات سياسية متنوعة تعد الناس بغد أفضل من الأيام الخالية. لا عذر للهيئة وإذا كان البعض يحاول إيجاد عذر لوزارة الداخلية بعدم تدخلها في وقف هذه الحملات الانتخابية المقنّعة بسبب رفضها التعاطي مع هذا الشأن بعد الثورة فإنهم يلقون باللوم على الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التي بُعثت من أجل متابعة الشأن السياسي والانتخابي. توجهنا بالسؤال إلى نائب رئيس الهيئة الأستاذ بوبكر بالثابت عما إذا كانت الهيئة على علم بحملات الإشهار والدعاية السياسية قبل انطلاق الحملة الانتخابية الرسمية يوم غرة أكتوبر المقبلة فقال إن الحملات الإشهارية التي أطلقتها بعض الأحزاب السياسية «الميسورة» مخالفة للقانون رغم أن المنظومة القانونية التونسية الحالية لم تتناول هذه المسألة بالدقة المطلوبة. وأكّد أن الهيئة بصدد إعداد مشروع قرار يتعلق بتنظيم الحملة الانتخابية التي سيتم افتتاحها يوم 1 أكتوبر المقبل وهو ما يعني أن الحملات الإشهارية ستتوقف آليا. لكن في انتظار هذا القرار المتأخر جدا ستكون الأحزاب الميسورة التي اعتمدت الحملات الإشهارية كوسيلة للوصول إلى الجماهير قد حققت مبتغاها من الإشهار وأنفقت مالا سياسيا لا أحد يعرف مأتاه للتقدم خطوات في مسار التنافس مع الأحزاب الأخرى.