يواصل ابن خلدون في كتاب «رحلته شرقا وغر با»سرد تفاصيل لقائه بتيمورلنك في دمشق فيقول «وأخبرني القاضي برهان الدّين أنّه سألني عنّي ،وهل سافرت مع عساكر مصر أو أقمت بالمدينة ،فأخبره بمقامي بالمدرسة حيث كنت ،وبتنا تلك اللّيلة على أهبة الخروج إليه، فحدث بين بعض النّاس تشاجرفي المسجد الجامع ،وأنكر البعض ما وقع من الأستنامة الى القول. وبلغني الخبر من جوف الليل، فخشيت البادرة على نفسي ،وبكّرت سحرا الى جماعة القضاة عند الباب ،وطلبت الخروج أو التّدلّي من السّور، لما حدث عندي من توهّمات ذلك الخبر، فأبوا عليّ أوّلا ،ثمّ أصخوا لي، ودلّوني من السّور، فوجدت بطانته عند الباب، ونائبه الذي عيّنه للولاية على دمشق، واسمه شاه ملك، من بني جقطاي، أهل عصابته، فحييّتهم وحيّوني، وفدّيت وفدّوني، وقدّم لي شاه ملك مركوبا، وبعث معي من بطانة السّلطان من أوصلني إليه، فلمّا وقفت بالباب، خرج الإذن باجلاسي في خيمة هنالك تجاور خيمة جلوسه، ثمّ زيد في التّعريف بأسمي أنّي القاضي المالكي المغربي، فاستدعاني، ودخلت عليه بخيمة جلوسه متّكئا على مرفقه، وصحاف الطّعام تمرّ بين يديه، يشير بها الى عصب المغول جلوسا أمام خيمته، حلقا حلقا، فلمّا دخلت عليه فاتحت بالسّلام، وأوميت إيماءة الخضوع، فرفع رأسه، ومدّ يده إليّ، فقبّلتها، وأشار بالجلوس، فجسلت حيث أنتهيت، ثمّ أستدعى من بطانته الفقيه عبد الجبّار بن النّعمان من فقهاء الحنفية بخوارزم ،فأقعده يترجم ما بيننا ،وسألني من أين جئت من المغرب؟ ولم جئت؟ فقلت جئت من بلادي لقضاء الفرض ركبت إليها البحر، ووافيت مرسى الإسكندرية يوم الفطر سنة أربع وثمانين من هذه المائة الثامنة، والمفرحات بأسوارهم لجلوس الظّاهر على تخت الملك لتلك العشرة الأيّام بعددها ،فقال لي وما فعل معك ؟قلت كل خير نبرّ مقدمي، وأرغد قراي وزوّدني للحجّ، ولمّا رجعت وفّر جرايتي، وأقمت في ظلّه ونعمته، رحمه اللّه وجازاه. فقال وكيف كانت توليته إيّاك القضاء؟ فقلت كانت قاضي المالكية قبل موته بشهر، وكان يظنّ بي المقام المحمود في القيام بالوظيفة وتحرّي المعدلة والحقّ، والإعراض عن الجاه، فولاّني مكانه، ومات لشهر بعدها، فلم يرض أهل الدولة بمكاني، فأدالوني منها بغيري جازاهم الله فقال لي وأين ولدك؟ فقلت بالمغرب الجوّاني كاتب للملك الأعظم هنالك فقال وما معنى الجوّاني في وصف المغرب فقلت هو في عرض خطابهم معناه الدّاخلي أي الأبعد لأنّه المغرب كلّه على ساحل البحر الشامي من جنوبه».